مقالات
للرئيس الفرنسي.. انزع سلاح «حزب الله» أولاً
بدر خالد البحر
انه بلد الجمال والفن والعلم، فاليوم ذكرى مولد الشاعر الروائي والمسرحي جان جينيه قبل مئة وأحد عشر عاما، وبعده بخمسة أعوام ولدت أيقونة الغناء الفرنسي إديث بياف، الذي صادف اليوم أيضا!
إنه بلد حرية الصحافة والرأي، فاليوم الذكرى السابعة والسبعون لصدور أول عدد لصحيفة لوموند الفرنسية، أشهر صحف أوروبا، واليوم أيضا يصادف صدور عددها الالكتروني الأول 1965.
إنه بلد العلم، الذي يصادف فيه اليوم وفاة عالم الفيزياء بول لانجفان 1946، وغدا ستمر خمسمئة وسبعة وعشرون عاما على مولد أحد مؤسسي علوم الرياضيات والهندسة التطبيقية أورونس فينيه، كما مر يوم أمس من عام 2013 ذكرى أول عملية زرع قلب صناعي بالتاريخ بمستشفى جورج بومبيدو بباريس.
كل هذا التاريخ للجمال والإبداع في فرنسا يخفي خلفه تاريخ أبشع استعمار مر على التاريخ، فاليوم من عام 1930 بدأت الثورة الفيتنامية ضد الاستعمار الفرنسي بزعامة «هو تشي»، والتي كتبنا نذكر بوحشيتها أكثر من مرة كان أولها عام 2004 بعنوان «مع قبلاتي من هانوي» وهي جملة يكتبها الجنود الفرنسيين خلف الصور التي يلتقطونها لرؤوس الثوار بعد قطعها لإرسالها ككروت معايدة لحبيباتهم بباريس، ناهيك عن دفن المزارعين تحت أشجار المطاط كسماد بعد موتهم! الوحشية نفسها مورست ضد الثوار الجزائريين، والتي ذكرناها في مقال بأكتوبر العام الماضي، حيث لا تزال فرنسا ترفض إرجاع ست وثلاثين جمجمة للثوار موجودة بمتحف الإنسان بباريس.
ورغم تاريخ الوحشية، ففي فرنسا من يتمتعون بحس إنساني رفيع منذ فرديناد بويسون الذي يصادف مولده اليوم عام 1848 الحاصل على جائزة نوبل للسلام وربما أول مؤسس لرابطة حقوق الإنسان بأوروبا.
بعد هذه المقدمة التاريخية، التي نهديها لفخامة الرئيس الفرنسي نقول له، وقد نكون مخطئين، انه قد لا يستطيع تحقيق شيء إذا كان القصد المعلن من زيارته الأخيرة زحزحة ملف إيران النووي وتخفيف خطرها العسكري وحل القضية اللبنانية، لأن أميركا قد عجزت عن تحقيق كل ذلك! مما يجعلنا شبه متأكدين أن زيارة ماكرون قد جاءت لدعم فوزه بولاية ثانية بالانتخابات التي ستبدأ جولتها ابريل القادم ليبدو أمام الشعب أنه قد حقق شيئا لفرنسا! وبالأخص حين قرأنا أخبار نجاحه بتوقيع صفقات أسلحة في زيارته هذه مع دول خليجية كان بعضها تاريخيا من حيث القيمة والحجم.
ولنفرض جدلا أن ماكرون قد جاء للخليج من أجل لبنان بعد أن فشلت محاولاته وحيدا هناك رغم ملامسته لوجدان اللبنانيين بزيارته الخاصة للمغنية فيروز، فعليه أن يكون عقلانيا لفهم موقف الخليجيين من عدم مد يد التعاون للبنان ما دام العدو حزب الله مسيطرا عليه بسلاحه، فدول الخليج التي دعمت بيروت لعقود ما زالت مهددة من الحزب بدعم إيراني منذ الثمانينيات وحتى الآن بعشرات العمليات الارهابية والعسكرية آخرها إيراني بامتياز من خلال اليمن، ناهيك عن تهريب المخدرات، الذي لا يتوقف.. ذلك الإرهاب الذي لم تسلم منه حتى سفارتكم في الكويت، الذي تعلمون أو يفترض أن تعلموا، من كان وراءه وأشرف عليه.. وبيد مَن تم تنفيذ التفجير الذي استهدفكم قبل كل شيء.
إن عدم عقلانية فرنسا من هذا الجانب قديمة جدا، وقد أشرنا لها بمقالنا «رسالة إلى سعادة السفير الفرنسي» عام 2003 الذي تغزلنا فيه برومانسية فرنسا ومقاهيها وسواحلها وبلوحات الرسام مونيه وبيته وحدائقه التي زرناها وتجولنا فيها، ثم قارنا التشابه الشديد في تجربتي الاحتلال والتحرير للبلدين، فرنسا بالحرب العالمية الثانية والكويت عام تسعين، ثم عاتبنا فرنسا التي طالبتنا حينها بالتصالح والتعايش مع صدام، بينما لم تقبل هي إلا بهلاك هتلر، وتساءلنا إن كانت ستقبل فرنسا بعقد معاهدة سلام مع الحزب النازي الذي احتلها؟ ثم أجبنا نحن عنها قائلين: «لا أعتقد سيدي أن أفقر كومسري في أقدم أوتوبيس في أصغر ضاحية من ضواحي باريس كان سيقبل ذلك».
لقد كان بيان قادة مجلس التعاون واضحا في قمتهم الثانية والاربعون الأخيرة، الذي جاء في مضمونه ضرورة نزع السلاح في لبنان وجمعه بيد الدولة، فحل القضية اللبنانية لا يمكن أن يكون على حسابنا ما لم يتم كبح إيران وأذرعها في اليمن ولبنان.
وعليه وباختصار فنحن وإن كنا متأكدين أن زيارة الرئيس الفرنسي الأخيرة للخليج قد جاءت لمصلحة رفع أسهمه في الانتخابات القادمة، إلا أننا نوجه رسالة لأي رئيس فرنسي قادم بعد الانتخابات، أو لماكرون بالتحديد لحظوظه التي تبدو أكبر، أنه إذا كان ناويا العودة للمنطقة لمتابعة ملف القضية اللبنانية فإن جهوده لن تجدي نفعا ما لم يقم بنزع سلاح حزب الله أولاً.
إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان
نقلا عن القبس