لا خسارة من عودة سوريا… ولا ربح أيضا!
خيرالله خيرالله
لا خسارة من عودة سوريا إلى احتلال مقعدها في جامعة الدول العربيّة ولا ربح من ذلك أيضا. لا تقدّم الخطوة التي يسعى النظام إلى استغلالها داخليا، لرفع معنويات المحيطين به، ولا تؤخّر.
لا توجد إضافة يستطيع النظام السوري تقديمها في إطار عمل جامعة الدول العربيّة التي يبقى نشاطها محدودا في ظلّ ما تشهده المنطقة والعالم من تطورات لا تستطيع الجامعة التأثير فيها. كلّ ما يستطيع النظام السوري عمله هو التعبير عن وجهة نظر “الجمهوريّة الإسلاميّة” ومواقفها في الاجتماعات التي تعقدها مجالس الجامعة على مختلف المستويات.
ليس في إمكان النظام السوري تقديم أكثر مما عنده على الصعيد العربي وفي الداخل السوري. يتمثّل ما عنده في تحويل الملفّ السوري إلى جزء مهمّ من الملفّ العربي – الإيراني. هذه حال صحيّة تعكس حقيقة الواقع الإقليمي لا أكثر من جهة، وتضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليات رفض دائما تحملها من جهة أخرى. رفض المجتمع الدولي، في مقدّمه الولايات المتّحدة، ذلك منذ اندلاع الثورة السوريّة التي تحولت إلى حرب يشنها النظام على شعبه، بدعم إيراني مكشوف. استطاعت إيران، في مرحلة شهدت تراجعا لها وللنظام أمام مقاومة الشعب السوري للظلم، اللجوء إلى روسيا التي ساهمت بدورها، في خريف 2015، في عملية لا هدف لها سوى إبقاء الشعب السوري رهينة لدى نظام قمعي لا يؤمن سوى بإلغاء الآخر.
كان الارتباط بـ”الجمهوريّة الإسلاميّة” سمة النظام السوري منذ نجاح “الثورة” في إيران وقلب نظام الشاه في العام 1979. بقي هناك هامش ضيّق كان يستخدمه حافظ الأسد بذكاء ويتحرّك في إطاره، عربيّا، من منطلق معرفة مدى الحاجة الإيرانيّة إلى سوريا. في هذا المجال، لا يمكن تجاهل أنّ المجموعة الأولى من “الحرس الثوري” الإيراني دخلت إلى الأراضي اللبنانية واستقرت في ثكنة للجيش اللبناني في بعلبك صيف العام 1982 بحجة التصدي للاجتياح الإسرائيلي للبنان وقتذاك.
صارت العلاقة بين طهران ودمشق أكثر عمقا بعدما خلف بشّار الأسد والده وتغوّل “الجمهوريّة الإسلاميّة” في سوريا على مراحل عدة بدءا من اليوم الأوّل لبداية العهد الجديد في العام 2000… وصولا إلى الزيارة الأخيرة التي قام بها لدمشق الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي. جاء رئيسي إلى عاصمة الأمويين ليتأكّد من أنّه صار لـ”الجمهورية الإسلاميّة” وجود ثابت، في كلّ المجالات على الأرض السورية.
أتاحت زيارة رئيسي فرصة ليتحدث بشّار الأسد عن نظرته للعلاقة مع إيران وطبيعتها. هناك شريط قصير تحدث فيه رئيس النظام السوري مرحبا بالرئيس الإيراني. يكشف الشريط مدى الفخر الذي يشعر به بشّار بسبب دعم النظام في سوريا لإيران في حربها مع العراق بين العامين 1980 و1988. ظهر الرجل يقول بالصوت والصورة “العلاقة بين بلدينا بنيت على الوفاء. عندما شُنّت حرب ظالمة على إيران بين 1980 و1988، لم تتردد سوريا في الوقوف إلى جانب إيران رغم التهديدات والمغريات”.
انتقل بشّار بعد ذلك إلى الربط بين الدعم السوري لإيران في حربها مع العراق وبين دعم “الجمهوريّة الإسلاميّة” للنظام في حربه على شعبه ابتداء من آذار – مارس من العام 2011.
هل كانت حرب السنوات الثماني بين العراق وإيران بالفعل حربا “ظالمة” كما يقول بشّار متوددا إلى الرئيس الإيراني. يمكن الدخول في نقاش لا نهاية له في هذا المجال الذي كشف جهل الرئيس العراقي (وقتذاك) صدّام حسين بالسياسة والتوازنات الإقليميّة والدوليّة. أعلن صدّام بدء حرب كان مفترضا به تفاديها بدل الدخول في لعبة استفاد منها النظام الإيراني الجديد الذي كان طموح مؤسسه (آية الله الخميني) إثارة الروح الوطنية الفارسيّة من جهة وإبعاد الجيش إلى جبهات القتال من جهة أخرى.
لكنّ الأهمّ من ذلك كلّه أن الحرب العراقيّة – الإيرانيّة كانت حربا عربيّة – فارسية. وقف النظام السوري مع الفرس في وقت كان الخليج كلّه مهددا من إيران التي رفعت شعار “تصدير الثورة”. كانت إيران وراء افتعال تلك الحرب التي استهدفت العراق بصفة كونه دولة عربيّة، ذات أكثريّة شيعيّة، تمتلك القدرة على التصدي لمحاولات ابتلاعها وابتلاع دول الخليج العربي معها دولة بعد أخرى.
لم يكن المطروح يوما هل الحرب “ظالمة” أم لا. كلّ ما في الأمر أن صدّام حسين، الريفي الهاجم على المدينة، لم يكن يعرف شيئا عن الدهاء السياسي وعن تفوّق حافظ الأسد والإيرانيين عليه في هذا الحقل. الأكيد أنّ النظام السوري قدّم كلّ ما يستطيع كي تستمرّ الحرب العراقيّة – الإيرانية. بلغ به الأمر أن جاء لإيران، من عند معمّر القذافي، بصواريخ قصفت بغداد ومدنا عراقيّة أخرى.
لا تلغي عودة النظام إلى شغل المقعد السوري في مجلس جامعة الدول العربيّة سؤالين محرجين، أوّلهما ما العمل بالاحتلالات الخمسة الجاثمة على أرض هذا البلد؟ هل يستطيع النظام الاعتراف بأنّه محميّ من الاحتلالين الإيراني والروسي؟ الجواب أنّه لا يستطيع ذلك على الرغم من تراجع الدور الروسي بسبب سقوط فلاديمير بوتين في الوحول الأوكرانيّة.
أمّا السؤال الثاني فيتعلّق بإعادة إعمار سوريا. من سيعيد إعمار البلد الذي يحتاج إلى عشرات المليارات من الدولارات؟ تقول أرقام لدى الأمم المتحدة أن سوريا تحتاج إلى 120 مليار دولار لإعادة إعمار ما هدمته الحرب. هناك منظمات دولية مختصة تقدر مجمل خسائر سوريا من الحرب بـ300 مليار دولار.
لا وجود لمن هو مستعد لإعادة الإعمار في ظلّ الاحتلال الإيراني، وهو احتلال يستخدم سوريا كورقة، تماما مثلما يستخدم لبنان والعراق وشمال اليمن الذي يحكمه الحوثيون.
عاجلا أم آجلا ستأتي مرحلة يتبيّن فيها كم كانت عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربيّة حدثا هامشيا لا أكثر، مقارنة بالتحديات التي يفرضها المشروع التوسّعي الإيراني على الجميع!
العرب اللندنية