كفى عبثاً
بشارة شربل
“كفكف دموعَك” دولة الرئيس. ارتكبتَ خطأ فدفعتَ كِسرة من غَفَّارته. أما جلسة “لزوم ما لا يلزم” فلم تنقذ ماء الوجه مثلما بدا اخراج البيان الدرامي صُنعة هواة. لا الطائفة السنية خطَّطتْ لتلك الخطوة غير المسؤولة في “لقاء الساعة” بينك وبين الرئيس بري، ولا طائفتاكما هُزمتا بفضيلة العودة الى الصواب.
كان عليك الاعتراف بأنك خالفتَ القانون، وتنازلتَ عن فصل السلطات، وتحولتَ “شيخ عشيرة” فيما أنت ملياردير معولم تملك شركات اتصالات وتعرف الكلفة التقنية والمادية للارتجال. وكان عليك وصديقك الرئيس بري ألا تفوتكما حساسية إظهار نفسيكما حاكميْن مطلقين في زمن الجمهورية المقطوعة الرأس، وبعدما بلغ شعور التهميش عند المسيحيين حداً يدق جهاز الإنذار في حسابات الطوائف وقواعد ما تسمونه “العيش المشترك” فيما هو”سلم أهلي بارد” معظم الأحيان.
رغم تدارك الانقسام المعيب لا بدَّ من ملاحظات وخلاصات.
أول ما خالفه الرئيسان باعتبارهما مسلمَين مؤمنين، القاعدة الفقهية “درء المفاسد أوْلى من جلب المصالح”. وعملاً بذلك كان عليهما ادراك أن في ما “أفتيا” به مفسدة عظيمة كونه يوقظ “الفتنة” التي يَنهى عنها الدين، ويتعارض مع الدستور ما داما يحتلان موقعين رسميين في دولة قانونها وضعي. كذلك وجب عليهما تذكر انّ من مقاصد الصيام الشعور مع الجياع، ولتيسيرە شروط لا تُخل بمنافع الناس طمعاً بساعة نوم لا تنقص مدة الصوم.
ربَّ ضارة نافعة. كشف الفيديو المسرَّب عن “لقاء الساعة” ذهنية المُغالبة المتحكمة بالبلاد منذ “الانقلاب على الطائف” واستخدام الياس الهراوي رئيساً يدشن زمن الوصاية السورية العارية. وهي ذهنية مدّدت لنفسها بعدما جرى بقوة التعطيل إسكان ميشال عون في بعبدا مقابل تغطية السلاح، وتستمر، بدليل محاولة التمديد للمنظومة بانتخاب فرنجية عبر التواطؤ مع “سماسرة ماكرون” سياسيين فرنسيين أو مليارديرات لبنانيين مهاجرين.
ملاحظة إضافية. لا يعيب رفض قرار بري – ميقاتي انه اتخذ منحى طائفياً، وأن أكثرية المنددين به مسيحيون وعلى رأسهم الهيئات الدينية، ما دام الموقف صحيحاً أخلاقياً وسياسياً، وقوامه رفض السلبطة والخروج على القوانين. ولْنتذكر جميعاً أن “ثورة الأرز” لم تكن لتنجح لولا أن ثلاث طوائف شاركت فيها، حرَّكت معظم جماهيرها المشاعر الطائفية لكنها صبَّت في شعار “حرية سيادة استقلال”. فلا نتوهمَنَّ يوماً منظوراً يقود فيه العلمانيون ثورة منزهة عن الطوائف في بلد تاريخه ممزوج بالطائفية. أما تجربة “ثورة المواطنية” العابرة للطوائف في 17 تشرين فكانت لمعة استثنائية صالحة لرومانسية تسبغ على الماضي ألوان الجمال… واستطراداً، ومن باب الشيء بالشيء يذكر، فإن نضال الفلسطينيين ضد الاحتلال الاسرائيلي لا يضيرُە اضطلاع “حماس” به أو الاعتصام بالمسجد الأقصى ضد المستوطنين الرعاع، ما دامت القضية عادلة وهدف الاعتراض استعادة الحق.
ملاحظة أخيرة. أسوأ ردود الفعل على توقيت بري- ميقاتي، هو الجبن العارم لدى القوى السياسية الموسومة بالاعتدال وتلك التغييرية التي تدعي مصارحة الناس. وهي اعتبرت أن امساك العصا من وسطها ولعْنَ “الطائفية المقيتة” والمساواة بين انتهاك بري – ميقاتي القانون ومبادئ العيش المشترك متساوية مع الرفض المسيحي الطائفي وأن “كليهما في النار”. وهذه سخافة لا تستقيم أمام واجب النائب والمسؤول المجاهرة بالرأي مهما كلفه أمام قطيعه الانتخابي وجرَّ عليه انتقادات.
لعنة “الساعة” مرَّت على خير، لكنها نبهت الى أهمية قول “لا” و”كفى عبثاً” واتقوا الله…
* نقلا عن نداء الوطن