مقالات

عن تصريحات بومبيو الأخيرة

محمد آل الشيخ

لم أُفاجَأ من تصريح وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو المتعلق بإيران، ومسؤوليتها عن حادثة 11-9 الإرهابية الشهيرة في أمريكا، والتحالف الاستراتيجي بين متأسلمي القاعدة ومتأسلمي إيران؛ فهما حركتان تدميريتان، وتعبيان من البئر ذاتها. الذي فاجأني كيف تجاهل الرئيس جورج دبليو بوش، وكذلك الرئيس أوباما، مسؤولية إيران عن هذه الجريمة، وصبَّا جام غضبهما أولاً على أفغانستان وطالبان، وثانيًا على العراق، وتعمَّدا غض البصر عن إيران طوال العقدَين الأخيرَين؟ ليس هذا فحسب، بل إنهما (ناصرا) الملالي حلفاء القاعدة، وسلَّما العراق على طبق من ذهب لإيران، ثم وقّع أوباما اتفاقية الدول الخمس زائد واحد معها، التي هي بكل المقاييس اتفاقية هزيلة، تواكب المصلحة الإيرانية، وتؤجل خطر إيران النووي، لكنها لا تلغيه، ولم تكترث بعربداتها في المنطقة، وسلوكياتها الإرهابية؛ ليبرز السؤال: هل هو مجرد غباء وسوء فهم من الذين وقّعوا على الاتفاقية مع دولة الملالي، أم إن وراء الأكمة ما وراءها؟

صحيح أن تصريحات بومبيو الأخيرة عن إيران ستحرج بايدن كثيرًا، وفي الوقت نفسه سوف تضعف موقف إيران، التي كانت تردد بمناسبة أو دون مناسبة أن الإرهاب مصدره (السنة) وليس الشيعة، فقد اتضح الآن أن السنة الذين يقومون بالعمليات الإرهابية هم (حلفاء) لإيران، وأن علاقة إيران بالتكفريين من أهل السنة، وعلى رأسهم ابن لادن نفسه، هي علاقة وثيقة وراسخة، تؤدي فيها القاعدة وبقية التكفيريين دورًا محوريًّا لتشويه أهل السنة، وتعمل لتصب أعمالها الإرهابية لمصلحة شيعة إيران، وتنفيذ أجنداتهم، وأن القاعدي من أهل السنة هو واحد من اثنين: إما أنه متآمر متعمد للنيل من سمعة أهل السنة، أو أنه مغفل ومسيَّر، لم يُعمل ذهنه ولو لدقيقة واحدة في معرفة مآلات ما يفعل ومَن المستفيد من عملياته، كما هم أغلب الجماعات السنية السياسية المتأسلمة التي خرجت من تحت عباءة جماعة الإخوان المسلمين، وبصفة خاصة السروريون منهم.

بومبيو قال أيضًا إن القاعدة تنطلق من إيران لتنفيذ عمليات إرهابية في العالم. كما أن وزارة الخزانة الأمريكية كشفت كذلك عن رصدها جماعة إرهابية، مرتبطة بالقاعدة، تعمل على الحدود بين العراق وإيران. ومن المعروف أن هناك شبه إجماع عالمي على بذل كل ما يمكن فعله لاجتثاث الإرهاب من العالم، وهذا أضحى في الآونة الأخيرة من المسلّمات. ومعلوماته تلك جاءت بشهادة (المؤسسات) الأمريكية التقليدية، وليس من استنتاجات الوزير، فهل يستطيع بايدن بعد الإعلان عن هذه الحقائق أن يكرر خطيئة أوباما، ويخضع لإيران، ويعيد الاتفاقية النووية معها كما هي في عهد أوباما، دون أن يضمنها أية شروط جديدة؟

أنا أستبعد أمرًا كهذا، ولاسيما أن وضع إيران المهترئ اقتصاديًّا بشكل كبير من شأنه أن يكون عامل ضغط على إيران، بالشكل الذي يضطرها مجبرة إلى أن تقبل بأي تنازلات جديدة تحد من خطورتها على المنطقة، وفي الوقت نفسه تدفعها للانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة.

وحسبما أراه، فإن أمريكا وحلفاءها الأوربيين – فيما لو أرادوا – يمكن لهم الحصول على اتفاقية مع إيران أفضل، وأكثر عدالة بالنسبة لدول المنطقة من اتفاقية أوباما المنحازة بشكل واضح وفاضح لإيران.

إلى اللقاء

نقلاً عن “الجزيرة”

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى