عبداللهيان في بيروت… أنجزت المهمة!
حسن فحص
فتحت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبداللهيان إلى العاصمة اللبنانية بيروت الأسبوع الفائت الباب أمام كثير من التكهنات والتأويلات، أكثرها يتساوق مع رغبة لبنانية في أن يقدم النظام الإيراني على ممارسة ضغوط على حليفه “حزب الله” لتقديم تنازلات في ملف انتخاب رئيس للجمهورية وأن يفتح الطريق أمام التخلي عن مرشحه سليمان فرنجية لمصلحة مرشح توافقي.
هذه الرغبة اللبنانية التي تختلط بمحاولة تكريس أو ترسيخ مفهوم، ليس من الصعب لمس شواهد على وجوده بأن طهران تأخذ لبنان رهينة كجزء من الإقليم لاستخدامه على طاولة التفاوض سواء على دورها ونفوذها الإقليميين، أو في سياق مساعيها للإمساك والتحكم بالساحة اللبنانية وتكريس حليفها كطرف مقرر في مستقبل لبنان السياسي.
زيارة عبداللهيان في الشق اللبناني السياسي لم تخرج عن إطار “استطلاع الأجواء” ومن باب البحث مع الحليف اللبناني عن إمكانات الحلول والهامش الذي يمكن لطهران المناورة خلاله في المرحلة المقبلة، لجهة أن الموقف الإيراني وإن كان يسعى إلى تركيب تسوية على الساحة اللبنانية، إلا أن هذه التسوية لا يمكن أن تكون على حساب مصالح حليفه، فضلاً عن أن قرار الحل لا بد من أن يكون بالتنسيق معه وبشرط ألا يضر بمصالحه ورؤيته لمستقبل لبنان وموقعه داخل التركيبة السياسية اللبنانية.
والزيارة التي لا تخرج عن كونها استطلاعية أكدتها المواقف التي أطلقها عبدالليهان من بيروت أن بلاده تدعم أي تفاهم واتفاق يتوصل إليه اللبنانيون بين بعضهم بعضاً، وهو بهذا الموقف لا يخرج عن الموقف المعلن لحليفه “حزب الله” الذي سمعه من أمينه العام الذي التقاه في ختام لقاءاته الرسمية.
لا شك في أن طهران تنظر إلى لبنان على أنه مساحة اشتباك بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية من جهة، ومع تل أبيب من جهة أخرى، إلا أن المستجد الإقليمي الذي برز في الاتفاق الموقع مع السعودية، ربما يدفع طهران إلى البحث عن مساحة مشتركة مع الرياض في إطار التعاون الذي نص عليه الاتفاق بينهما على تفكيك الاشتباك، من هنا، يبدو أن طهران وبالتنسيق مع حليفها اللبناني، تسعى إلى إنضاج مخارج وحلول للأزمة اللبنانية بانتظار اللحظة المناسبة لتضعها على طاولة الحوار والتنسيق مع الجانب السعودي، بالتالي التعاون ليكون الحل مشتركاً بينها والرياض، بعيداً من التأثير الأميركي أو الضغط الإسرائيلي.
ما يحمل على هذا الاعتقاد التركيز الذي أولته دائرة التوجيه السياسي في حرس الثورة الإسلامية لهذه الزيارة التي تصدرت صفحة الصحيفة الناطقة باسمها “صبح صادق” والتي عنونت بـ”النقطة صفر” وصورة كبيرة لعبداللهيان على الحدود اللبنانية – الفلسطينية، في رسالة واضحة أن الزيارة التي قررت على عجل، تحمل طابعاً وبعداً يتجاوزان الأزمة اللبنانية إلى ما هو أبعد، وعلى علاقة بالصراع القائم على مستوى منطقة غرب آسيا بين طهران وتل أبيب.
هل صحيح أن عبد اللهيان هو “جندي سليماني” في الخارجية الإيرانية؟
هذا البعد للزيارة يعزز حاجة طهران في هذه المرحلة إلى التمسك بمواقف حليفها اللبناني عدم ممارسة أي ضغط عليه أو إدخاله في تسوية داخلية لا يريدها أو لا تصب في مصلحته وحجم دوره وموقعه على الساحة اللبنانية، بخاصة بعد أن نجحت طهران وعبر قوة “القدس”، الذراع العسكرية والأمنية الإقليمية، في إرساء معادلة “وحدة الساحات” في إطار صراعها مع إسرائيل.
زيارة عبداللهيان للحدود الشمالية مع فلسطين ونقطة التماس الأقرب مع الإسرائيلي، لا تخرج عن إطار الرد على الزيارة التي قام بها نظيره الإسرائيلي إيلي كوهين قبل أسابيع إلى الشمال الإيراني واللقاءات والاتفاقات التي وقعها في العاصمة الأذربيجانية باكو والتي كشفت عن مستوى متقدم من التعاون بين تل أبيب وباكو في الجوانب الأمنية والعسكرية من ضمنها إقامة قاعدة جوية بالقرب من الحدود الإيرانية الهدف منها أن تكون قاعدة متقدمة لسلاح الجو الإسرائيلي في حال قررت تل أبيب شن هجوم على المنشآت النووية والحيوية في إيران.
ويبدو أن النظام في طهران، بعد التطورات التي تشهدها منطقة أوراسيا، بخاصة بعد زيارة كوهين إلى باكو والانتقال إلى عشق آباد عاصمة تركمانستان وافتتاح سفارة فيها لا تبعد أكثر من 17 كيلومتراً عن حدودها، شعر النظام الإيراني بأنه بحاجة إلى إعادة تعريف معادلة وموازين القوى بينه وتل أبيب التي رفعت مستوى حراكها في القوقاز وشمال إيران وشرقها، وأن الوجود الإسرائيلي على الحدود الشمالية لطهران يفرض على النظام مواجهة المساعي الإسرائيلية لإعادة تعريف “حدوده الجيواستراتيجية ” في الصراع بينهما بعيداً من حدوده الجغرافية المباشرة.
صراع الشمالين ومحاولة طهران تثبيت معادلة التهديد الإستراتيجي الذي تمتلكه ربما يكون الهاجس فيهما يقوم على مبدأ إبعاد شبح الحرب عنها، وهو ما حاولت إيصال رسالته عبر الصواريخ التي انطلقت من الجنوب اللبناني والفلسطيني والسوري، وأنها قادرة على تحريك حلفائها وفتح معركة في أكثر من جبهة بغض النظر عن النتائج أو التبعات التي قد تلحق بأي من هؤلاء الحلفاء كما في الحالة اللبنانية، إذ جاءت الصواريخ “الحمساوية” في اللحظة التي لا يرغب فيها الحليف اللبناني، إلا أنه تلقاها وأبدى استعداده لتحمل تداعياتها في إطار المحور الذي تقوده طهران في الإقليم لأن استفراد أي عنصر من عناصر هذا المحور تعني ضربة لكامل المحور.
طهران، ومن خلال هذه الزيارة لعبداللهيان، تعيد التأكيد على تمسكها بإستراتيجيتها الإقليمية ولن تتخلى عنها بأي ثمن ما لم تتوافق النتائج مع الأهداف التي وضعتها.