مقالات

طائفيون…! ليسوا إسلاميين

محمد حميد رشيد

بدءاً أنا أقصد الأحزاب (الإسلامية) ولا أطعن في إسلامهم أبداً فذلك ليس من ولا من تخصصي ؛ الأمر الثاني أنا اقصد (الأحزاب الإسلامية) العراقية الذين ساهموا في ترسيخ الطائفية عبر مشاركتهم بعملية سياسية بنيت على أسس طائفية عبر تبنيهم للمحاصصة الطائفية وتخليهم عن المشروع الوطني العراقي!. وأنا لا اقصد المتشددين التكفيرين من كلا الطائفتين.
من الخطاء الشائع إطلاق (مصطلح إسلامية) بعموم معنى (إسلامية) الذي يشمل كل المذاهب الإسلامية على الأحزاب التي تشارك بالعملية السياسية الحالية بصفتهم (الطائفية) بل هم نقيض نوعي مع (الإسلام) الذي يحمل جوهر الوحدة والأعتدال وإعتصام جميع (المسلمين) بغض النظرعن مذاهبهم وطوائفهم بحبل الله فالإسلام شامل جميع المسلمين بينما (الطائفة) مقصورة على جزء محدد من المسلمين دون غيرهم ؛ كما أن الإسلام دعوة صريحة لمحاربة الفساد وقطع يد السارق ومسؤولية الراعي عن رعيته وتأمين الضرورات الخمسة للناس (حفظ الدين والنفس والنسل والعقل والمال) وأعتقد إن ذلك من ما أتفق عليه (الفقه الإسلامي).ومن الواضح جداً إن الأحزاب الطائفية الحالية الذين حكموا العراق منذ 2003م لغاية اليوم 7/3/2022 إنتهكوها جميعها ودمروا الوحدة الإسلامية وأعطوا صورة بائسة دموية عن الإسلام وما الإقتتال الطائفي عام 2006م إلا صورة واضحة لهذا. بل إني أدعي أن (العقيدة الإسلامية) لا تتناقض مع الإنتماء العائلي ولا العشائري ولا القومي ولا الوطني وإن الإسلام أسس لدولة (مدنية) خالصة وفصل بين السلطات (وفي ذلك تفصيل ليس هذا مقامه).

لكني أناقش السلوك السياسي الطائفي الواضح عند جميع الأحزاب الطائفية العراقية منذ 2003م رغم أن بعض من أهم منظري الأحزاب السياسية الطائفية الحالية لم يكن يجنح إلى الطائفية السياسية في كتبه العامة مثل (العلامة محمد باقرالصدر) وهو من أهم منظري (حزب الدعوة) وبقية الأحزاب الطائفية الأخرى لذا نجده في كتبه (فلسفتنا وإقتصادنا والإستقراء الرياضي) يتكلم بأسم الإسلام العام بعيداً ‘ن الطائفية المحضة ؛ بل أن (حزب الدعوة) كان يتهم فيما سبق بأنه الصورة الشيعية للأخوان المسلمين (لقربهم من الفكر الأخواني) !.
ثم أن للعراق خصوصية نادراً ما نجدها في بلد آخر غير العراق وتلك الخصوصية هي وجود مشروعين إسلاميين رئيسيين متصارعين متناطحين متعارضين متحاربين كل منهما يدعي أنه يمثل الإسلام ! وكل منهما يقف من الآخر على طرفي نقيض سياسي وعقائدي وفكري! فأي منهم يمثل (الإسلام) وكل منهما هو أقرب لأصحاب المشاريع الغير إسلامية من الآخر بل تحالف مع النقائض النوعية للدين !!!.

لكنهم اليوم يناصبون العداء لكل فكر إسلامي سياسي (يخرج عن فكرهم العقائدي) ولم ينجحوا في مجرد (التفكير) في مشروع سياسي إسلامي يضم الطوائف الإسلامية داخل (جبهة سياسية) إن لم يكن داخل حزب واحد بل هم في تناقض إلا بالقدر الذي يخدم إستمرار مصالحهم في العملية السياسية وإعطاء صورة (إسلامية لها)! وكلا منهما يقف على طرفي نقيض من الآخر جملة وتفصيلاً ولا مشترك بينهما غير الأسم (الإسلامي).
وذلك أمراً طبيعياً داخل أي حزب (عقائدي) إسلامياً كان أم غير إسلامي حيث يكون مغلقاً على فهمه العقائدي وعلى عكس الأحزاب السياسية الغير عقائدية التي تسعى لكسب جماهيرها عبر تفهم إحتياجاتهم ومعاناتهم وتتماشى مع رغبة جماهيرهم لكي تنصاع لها وتحققها على عكس الأحزاب العقائدية تريد من الناس الإنقياد العقائدي لها ومن الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى (الدكتاتورية الحزبية) التي عليها غالبية الأحزاب والأنظمة العقائدية (الشمولية) وتنقسم مرجعية (الأحزاب الطائفية الشيعية) إلى مرجعيتين رئيسيتين هما (مرجعية السيد علي السستاني) وقد تسمى (مرجعية النجف) و(مرجعية السيد علي الخامنئي) (مرجعية قم) ومنصب المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية ويتمتع بدرجة (ولي الفقيه) إضافة إلى مرجعيته الفقهية وهي درجة خاصة التي تؤهله إلى القيادة السياسية والدينية ولا يتمتع بها أي عالم دين غيره في العالم تخضع جميع المراجع الذين يؤمنون (بولاية الفقيه) إلى سلطتها في الأحكام السياسية المصيرية العامة (كتاب الحكومة الإسلامية في ظل ولاية الفقية لعلي الخامنئي). ؛ ولكل من المدرستين رؤيته السياسية الخاصة الخاصة. وهناك من يقلد الشيخ منتظري أو شيوخ آخرين وهم القلة. ومن الطبيعي أن تشكل المرجعية الدينية للحزب ولآءاً سياسياً محدداً للمرجع. أما الأحزاب السنية فغالبيتهم يفتقرون إلى إتباع (مرجعية دينية خاصة) حيث لا وجود لمثل هذا النظام لدى (السُنة) وإن كانوا في غالبيتهم منقسمين بين المذاهب الأربعة (المالكي والحنفي والشافعي والحنبلي) ومع هذا فإن إتباعهم للمذاهب ليس بشكل صارم بقدر كونه مذهب المحاكم الشرعية الرسمية في الدولة (إلى حد كبير) ولا تأثيرعلى إنتمائهم السياسي ؛ وهناك أيضاً (الفرق الصوفية) ولهم ولائهم لشيخ طريقتهم ولكن غالبيتهم لا يتدخلون في السياسة ويبتعدون عنها وهناك أيضاً (الجماعات السلفية) وهو تيار (سُني) يحتوي على العديد من المدارس الفكرية والمذهبية، مثل (السلفية العلمية والجهادية والحركية والمدخلية والمرجئة) وغيرها من المدارس السلفية، ويُعَبّر تنظيما (القاعدة وداعش) عن (السلفية الجهادية)؛ ومن هذا المنطلق نجد أننا لا يمكننا اختزال التيار السلفي العراقي في توجه محدد بل هم تيارات متناقضة في بعض الأحيان خصوصاً في توجهاتها السياسية لكنهم في الغالب غير منتظمين في العملية السياسية الحالية بشكل جماعي أو منظم.
وكل هذه الأحزاب والتظيمات تنحى منحاً طائفياً (بمعنى أن الغالبية العظمى لمنتسبيها من طائفة محددة) وهنا أوكد على معنى أن لكل إنسان حرية إنتمائه الديني والعقائدي والفكري ؛ وان يتبع إنسان أو حزب أو تنظيم ما طائفة محددة ليس في ذلك عيب شرط أن (لا يبغي طرف على الآخرين) بمعنى أن لا يكون إنتماؤه الطائفي على حساب (حرية) الآخرين في إنتماءاتهم الدينية والطائفية والفكرية وأن يعترف بحقهم في تمثيل ما يؤمنون به وإن لا يصادر حق الآخرين في إنتماءاتهم الإسلامية او الطائفية وإن ذلك يستدعي التصريح العلني بانتمائهم الطائفي والإبتعاد عن التسمية الإسلامية العامة ومن اللازم توضيح الاصول العقائدية وعدم التورية او التقية فيها. وفي الغالب هم يصرحون بهذا الإنتماء الطائفي فهناك (البيت الشيعي والإطار الشيعي والأحزاب الشيعية…) وبالتالي يكون لزاماً على أصحاب الفكر السياسي تصحيح هذا الخطاء والإبتعاد عن عمومية المصطلح (الإسلامي) الذي يتبرقع به الطائفيون!.
ومع هذا فإن الباب ليس مغلقاً أمام (المشروع السياسي الإسلامي) لسبب بسيط وهو عدم وجود خلافات عميقة بين الفقهين السياسيين الشيعي والسني وتكاد تنحصر هذه الخلافات في إختيار خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا ما لا مجال فيه للتطبيق في عصرنا الحالي وأصبحت قضية تاريخية لا طائل من الإختلاف السياسي بشأنها والذي يهم الآن في الفكر السياسي هو كيفية إدارة الدولة وتحقيق موازين العدالة الإجتماعية ونظريات الإقتصاد السياسي التي يمكن أن تخدم البلد ومفاهيم العدالة وحرية المعتقد ومفاهيم حقوق الإنسان وإزالة الشبهات الكثيرة التي يتهم فيها (الإسلام) والتي ساهم التعصب العقائدي الطائفي الدموي في ترسيخها في العراق المترنح المهشم السجين تحت حكم (الإسلام الطائفي) البغيض الذي نبذه الشعب وعليهم أن يدركوا هذه الحقيقة إن كانوا يطمحوا أن يكون لهم في الغد نصيب!. وللحديث بقية
نقلا عن المدى

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى