مقالات

شيعة أم قوميون فرس؟

في ذروة الاحتفال الضخم بمرور 2500 عام على الإمبراطورية الأخمينية، وقف الشاه محمد رضا شاه بهلوي أمام قبر الملك كورش الكبير في تشرين الأول/أكتوبر 1971، معلنا أن سلفه كان أول من ضمن حرية التعبير عن الرأي.

كانت تلك اللحظة فارقة في تشكيل هوية الإيرانيين القومية، التي ترى أن الفرس قد سبقوا الأمم المتحدة في ضمان حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر وإلغاء العبودية بمئات السنين.

ويحتفل إيرانيون بـ”يوم كورش الكبير”، الذي يوافق 28 أو 29 تشرين الأول/أكتوبر أو 7 من شهر “بهمان” من السنة الفارسية في كل عام.

ويوافق يوم كورش الحدث التاريخي لدخول جيش الإمبراطورية الأخمينية الفارسية تحت حكم الملك كورش الكبير لمدينة بابل في عام 539 (قبل الميلاد)، بعد الانتصار الحاسم للفرس على البابليين في معركة أوبيس من العام ذاته.

واعتاد الإيرانيون في هذا اليوم التجمع أمام قبر كورش في منطقة باسارغاد الأثرية بمدينة شيراز، إلا أنه في عام 2017 وبعد تجمع الآلاف من مختلف المناطق الإيرانية، وترديد شعارات معارضة لسياسات الحكومة الإسلامية، قررت السلطات منع هذا التجمع وغلق الطرق المؤدية لقبر كورش في هذا اليوم.

​​تجمع للإيرانيين أمام قبر كورش

ورغم إحياء الإيرانيين لهذه الذكرى منذ بداية الألفية الثانية، فإن الحكومة الإيرانية ترفض الاعتراف بهذا اليوم عيدا رسميا للبلاد.

وفي21 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، قال النائب عن مدينة شيراز بهرام بارسايي في جلسة بمجلس النواب إن الطلب الذي تقدم به العام الماضي لاعتماد يوم كورش عيدا وطنيا إيرانيا، تم تعليقه بعدما حول الرئيس الإيراني طلبه إلى المجلس الأعلى للأمن القومي.

واتهم بارسي الرئيس الإيراني باستغلال التاريخ الإيراني لتحقيق مكاسب سياسية أثناء زيارته لفينا في 4 تموز/يوليو، حيث قال روحاني إن “إيران كانت صديقة لليهود لدرجة إن الإيرانيين آووهم في بابل، ولذلك يدين الشعب اليهودي بدين كبير للإيرانيين”.

ويعتقد الإيرانيون أن أجدادهم الفرس قد حرروا اليهود، الذين أسروا على يد الملك نبوخذ نصر الثاني، عند دخولهم إلى مدينة بابل، بالإضافة إلى اعتقادهم أن الملك كورش قد أصدر أول إعلان عالمي لحقوق الإنسان مدون بالكتابة المسمارية على أسطوانة طينية موجودة حاليا بالمتحف البريطاني.

وقد أهدت الأميرة أشرف بهلوي شقيقة الشاه الإيراني محمد رضا بهلوي، نسخة مقلدة من الأسطوانة إلى الأمم المتحدة في 1971، بصفتها أول إعلان عالمي لحقوق الإنسان.

وتوضع الأسطوانة المقلدة في مقر الأمم المتحدة بمدينة نيويورك، وتصفها المنظمة العالمية بـ “إعلان قديم لحقوق الإنسان”.

اضطراب هوية

ومنذ احتفال الشاه الإيراني بذكرى مرور 2500 عام على قيام الإمبراطورية الإيرانية، بدأ الإيرانيون في اتخاذ هذه الأسطوانة رمزا وطنيا وقوميا ومصدر فخر، وتم طباعتها في الصحف والمجلات والعملات التذكارية وطوابع البريد.

​​فيديو الاحتفال بمرور 2500 عام على قيام الإمبراطورية الأخمينية

ورغم العلاقة الشائكة عقب الثورة في 1979، بين الحكومة الإسلامية وبين تاريخ إيران القديم قبل الإسلام، فإن الحكام الإسلاميين في طهران يحاولون من حين لآخر إظهار بعض التسامح تجاه هذا التاريخ، خاصة الملك كورش.

وكان الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد قد حضر افتتاح معرض يحمل اسم “ميثاق كورش لحقوق الإنسان” في عام 2010، بعدما أعار المتحف البريطاني الأسطوانة لإيران لأشهر قليلة.

وتضمنت احتفالات المعرض آنذاك، عرضا مسرحيا ظهر فيه أحد الممثلين يلعب دور كورش ولكن بسمت إسلامي، حيث ارتدى الكوفية التي يرتديها رجال الباسيج على أكتافهم، واضعا في الوقت ذاته غطاء رأس يشبه ذاك الذي يظهر في النقوش الفارسية القديمة.

الاحتفال بأسطوانة كورش

الاحتفال بأسطوانة كورش

​​وسخر الإيرانيون من العرض خاصة وأن علاقة الحكومة الإسلامية بالتاريخ الإيراني القديم معروفة للجميع، ويرى بعض رجال الدين أنه لا يوجد مصدر تاريخي معتبر لهذا اليوم.

وعلق مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي خلال خطاب له في 30 آيار/مايو الماضي، على افتخار البعض بالتاريخ الفارسي القديم قائلاً “إن الافتخار بالإمبراطورية الأخمينية يعد وهما، إنها مجرد تخيلات واهية وأوهام”.

​​وفي العام الماضي، قال إمام الجمعة بمدينة شيراز “لا يوجد أي جذور تاريخية لهذه المناسبة، نحن نسأل المحتفلين بهذه المناسبة أن يعرضوا على الشعب وثيقة تاريخية، إن الشعب لن يقبل هذا الكلام بدون تحقق واستقصاء”.

وكان نائب البرلمان الإيراني الحالي علي مطهري تساءل في عام 2010، عن سبب إحضار أسطوانة كورش إلى إيران، خاصة وأن سلوك الملك الفارسي لم يكن موافقا لتعاليم النبي.

“الترجمة غير دقيقة”

من ناحية أخرى، يشكك علماء آثار في ادعاء أن أسطوانة كورش هي أول إعلان عالمي لحقوق الإنسان، أو مصداقية ما أوردته الأسطوانة من معلومات على الأقل.

ونشرت صحيفة “دير شبيغل” تقريرا في عام 2008، أورد تصريحات لجوزيف فايسهوفر، أستاذ التاريخ القديم في جامعة كيل الألمانية، واصفا حقيقة الأسطوانة بأنها “دعاية” فقط من جانب الحكومة الإيرانية في سبعينيات القرن الماضي.

أسطوانة كورش

أسطوانة كورش

​​وقال فيسهوفر عن كورش “لقد كان حاكما عنيفا، لقدم قام جيشه بنهب الأحياء السكنية والمواقع المقدسة وتم ترحيل النخب الموجودة بالمناطق الحضرية”.

وقال هانسبيتر شوديغ، عالم الأشوريات بجامعة هايدلبرغ الألمانية، إنه يصعب عليه رؤية هذا الملك كرائد فيما يتعلق بحقوق الإنسان والمساواة، إذ كان كورش يطلب من الخاضعين له تقبيل قدمه.

وبحسب شوديغ، فإن كورش كان يقطع أنوف وآذان من يرفضون دفع الضرائب الباهظة بل ودفنهم حتى رؤوسهم في الرمال الساخنة، وكانت تلك الضرائب تنفق في حرب استمرت 30 عاما.

وتنتشر ترجمة مزيفة للأسطوانة حتى أنها ذكرت في المناهج الدراسية الألمانية، تقول الترجمة “يجب إلغاء العبودية في جميع أنحاء العالم، يجب على كل دولة الاختيار ما إذا كانت تريد قيادتي أم لا”.

يقول شوديغ “لا يوجد أي دليل على إصلاحات أخلاقية أو وصايا إنسانية في هذه الوثيقة المسمارية، إنها قطعة رائعة من الدعاية”.

موقع الحرة” / كريم مجدي

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى