أهم الأخبارمقالات

شبهات عراقيّة حول الصّدر العائد من هزيمته

 

فاروق يوسف

عاد مقتدى الصدر إلى واجهة المشهد السياسي العراقي مرة أخرى. هناك انتكاسة جديدة في العراق إذاً. فتزامناً مع بطولة الخليج لكرة القدم، أطلق الزعيم الشيعي بالون اختبار جديداً حين استعمل مصطلح “الخليج العربي”، في محاولة منه لإبراز الجانب القومي في شخصيته في مقابل الاعتراض الإيراني الذي وصل إلى درجة استدعاء السفير العراقي في طهران والتهديد باللجوء إلى المنظمات الرياضية الدولية.

كان الصدر قد أعلن اعتزاله العمل السياسي. حدث ذلك بعدما قرر سحب نواب كتلته الفائزة من مجلس النواب والتخلي عن الأصوات التي حصل عليها في انتخابات 2021 لمصلحة خصومه الموالين لإيران. لقد توقع الكثيرون من خارج تياره وداخله يومها أن تكون تلك الخطوة واحدة من لحظات مزاجه المتقلب، والأمر في حقيقته لم يكن كذلك، وهو ما تؤكده عودة الصدر إلى الظهور تحت شعار “الصلاة الموحدة”، وهو هنا بالتحديد إنما يحاول جس نبض الشارع من أجل قياس شعبيته التي كان لا بد من أن تنهار بعدما ضحى بأصوات العراقيين الذين انتخبوه حين وهبها إلى كتلة حزبيي إيران في تحالف الإطار التنسيقي، وهي الكتلة التي كانت هزيمتها في الانتخابات تعبيراً عن إرادة الشعب.

أدار ظهره للإصلاح ومحاربة الفاسدين
لقد قيل الكثير عن دور الصدر في إنقاذ النظام الطائفي من السقوط. غير أن فعلته الأخيرة كانت بمثابة ضربة لتياره السياسي الذي كان يحمل شعارات وطنية، من نوع “العراق أولاً” و”كلا لإيران” و”حكومة الأغلبية الوطنية” و”لا لمبدأ التوافقية الحزبية” وغيرها من الشعارات التي كانت توهم بقرب الانتهاء من نظام المحاصصة الطائفية والحزبية، والعودة إلى تأسيس نظام وطني يستند في برنامجه إلى مبدأي “الإصلاح” و”محاربة الفساد”.

لقد فُجع الصدريون حين رأوا زعيمهم يدير ظهره إلى كل تلك الشعارات ذاهباً إلى بيته في النجف، من غير أن يقول كلمة تفسيراً لموقفه إلا ما تم تداوله من جمل فضفاضة وغامضة عن العزوف عن المشاركة في حكومة يكون الفاسدون جزءاً منها. وهو كلام لا يقوله مَن هيأته المساحة التي احتلها في مجلس النواب لتعيين رئيس حكومة يخرج على الشعب العراقي ببرنامج سياسي يتضمن مشاريع تنمية اقتصادية، تنهي مشكلة البطالة وتنقذ العراقيين من الانزلاق المستمر إلى مستوى الفقر وما تحته، وتوقف مسلسل النهب المنظم الذي يتم في إطار عمليات الإعمار وإعادة تأهيل البنية التحتية، وهي العمليات التي لم ير العراقيون منها شيئاً، حيث كانت الأموال المخصصة لها تُنهب في صفقات يتم توزيعها بين الداخل والخارج، وكانت النسبة الكبرى من تلك الأموال قد خصصت لإنقاذ الاقتصاد الإيراني والأسواق الاقتصادية المجاورة التي ترعاها الميليشيات الإيرانية في اليمن ولبنان وسوريا. وما الدليل على ذلك إلا انهيار أسواق صرف عملات تلك الدول في مقابل الدولار الأميركي، حين قررت الخزانة الأميركية إيقاف جزء من التحويلات المالية العراقية قبل أقل من شهرين.

إعادة ترميم الهيمنة الإيرانية
ما فعله الصدر أنه أعاد ترميم الهيمنة الإيرانية على العراق والتي كانت في حالة ضعف، وأغاث الأحزاب الموالية لإيران وقد كانت حائرة تتلفت في حالة من الفزع من إمكان خضوع بعضها لمطالب الشعب، وهو ما يعني انفراط تحالفها الذي يقوده رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الذي هو أكثر مَن تحوم حوله شبهات الفساد من بين الزعماء الحزبيين. أما حين تخلى الصدر عن الاستحقاق الانتخابي، وهو قرار فردي فريد من نوعه في تاريخ الديموقراطية يمكن أن يؤدي بصاحبه إلى المحاكمة بتهمة الخيانة في دول تحترم إرادة شعوبها، فإن كل شيء عاد إلى مكانه. في الوقت نفسه، كان الصدر يعرف جيداً أن الحماية الإيرانية ستضمن له سبل النجاة من تداعيات فعلته وستعيده إلى الواجهة وقتما تشاء، وبخاصة حين يكون النظام الطائفي الذي ترعاه في العراق في حاجة إليه. لعبة تكررت عبر العشرين سنة الماضية التي كان فيها الصدر نجماً يسطع ويأفل في سياق توقيتات مبرمجة تتعلق بالثغرات التي تطرأ على بنية النظام السياسي الذي لا يمكن أن يتماسك في ظل تضارب المصالح بين المنتفعين من وجوده، وهم في حقيقتهم ليسوا سياسيين وطنيين بل تجار صغار عرضت الولايات المتحدة أمامهم الدين والسياسة بضاعتين تدران عليهم أموالاً هائلة من غير الحاجة إلى رأسمال شخصي. لا يملك الصدر سوى عمامة سوداء وإرث عائلي…

شبهات لا حدود لها
بعد اعتكافه زمناً، هو من وجهة نظره كان كافياً لكي ينسى العراقيون خيبتهم وسط ركام من أزمات الوضع المعيشي، عاد الصدر إلى الظهور في محاولة منه لاستعادة بريقه الذي فقده. فهل سيكتفي هذه المرة بوضع المراقب من غير أن يزج بنفسه وتياره في العمل السياسي المباشر، أم أنه سيعود إلى ممارسة دوره في الإزعاج الذي يتمكن النظام من خلال فوضاه أن يمرر الكثير من عمليات الفساد؟

في كل الأحوال، فإن الشبهات تظل تحوم حول كل خطوة يتخذها رجل ضحى بسمعته الوطنية حين فرّط بأصوات الشعب وهرب من استحقاق انتخابي، توقع العراقيون أنه سيكون بوابتهم للخروج من مرحلة عصيبة كانت الطائفية عنوانها والفساد جوهرها.

نقلا عن النهار

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى