
سيناريوهات إيران للتعاطي مع ترمب
النظام في طهران له خبرة طويلة في طريقة التعاطي مع الإدارة الجديدة ويتفهم القواعد الأساسية لضبط الإيقاع على الصعيد الدبلوماسي
وليد فارس
وإذ تتواصل جلسات الحوار والمفاوضات بين إدارة الرئيس ترمب من ناحية والنظام الإيراني من ناحية أخرى بدأت تتضح السيناريوهات التي يبنيها النظام الإيراني لعلاقته مع الإدارة الأميركية إبان المفاوضات. وكما كتبنا في الماضي فالهدف الأساس لطهران هو كسب الوقت الاستراتيجي للتمكن من الإفلات مما تريده واشنطن عملياً وعلى الأرض.
في وثبة غير متوقعة من قبل القاعدة العريضة لإدارة الرئيس ترمب التي أوصلته إلى الحكم، قرر الرئيس أن يسلم ملف المفاوضات إلى مندوبه ويتكوف، وطلب منه أن يتوصل إلى اتفاقية حد أدنى، أي نقطة تحول إلى معاهدة شبيهة بصفقة الاتفاق النووي التي أنجزها أوباما وحاول تنفيذها بايدن.
الاتفاق النووي الإيراني، كم كتبنا في عدة مقالات وحددناه في كتابي الأخير “إيران الجمهورية الإمبريالية” الذي تم توقيعه في عام 2015، من قبل الولايات المتحدة الأميركية وشركائها الأوروبيين مع النظام الإيراني كان مرتكزاً على ثقة مالية واضحة قائمة على تحويل 150 مليار دولار من كل هذه الدول إلى النظام الإيراني، مقابل أن يتوقف هذا الأخير عن بناء سلاح نووي يهدد فيه المنطقة بمن فيها، عرب الاعتدال وإسرائيل وإلى حد ما الولايات المتحدة، لكن في عمق الاتفاق كان هناك مصالح لا سيما لأطراف ثالثة رتبت المحادثات وإيصال الأموال إلى طهران.
إلا أن هذه المرحلة لا تبرز حتى الآن مجموعة معلومات عن اتفاقات مالية بين الطرفين لكن مشاريع اقتصادية ومالية للمستقبل. وعلى هذا الأساس تقوم القيادة في إيران ببناء استراتيجية خاصة للتعاطي مع الرئيس ترمب ومفوضية في هذه المرحلة التي، ونعرف ذلك جيداً، تستهدف إطالة الوقت كي تتغير المعطيات على الأرض.
النظام في طهران له خبرة طويلة في طريقة التعاطي الدبلوماسي مع البيت الأبيض الجديد، فالنظام عاش أربعة أعوام مع فترة ترمب الأولى، ومن ثَم يتفهم القواعد الأساسية لضبط الإيقاع على الصعيد الدبلوماسي. وتعتقد القيادة الإيرانية أن المفاوضات حول مكاسب اقتصادية للبلدين عالية في نظر فريق ترمب لأنه يأتي بما يتوافق مع الأوساط المالية والاقتصادية في نيويورك.
هل تؤسس ثورة غزة ضد “حماس” للسلام؟
وتعد هذه الأوساط أن التوصل إلى اتفاق لوقف المجابهة مبني على مكاسب للطرفين بعكس ما كان قائماً في الدبلوماسية الأميركية التقليدية وهو التحكم بالمعادلة القومية الأمنية الاستراتيجية، ومن بعدها التوصل إلى تفاهمات اقتصادية. إيران باتت تعرف أنها قادرة على جلب الاهتمام الأميركي. كبار المفاوضين الحلفاء للرئيس ناجحون في الأوساط الاقتصادية والمالية ويضعون المقاييس المتمثلة بالصفقات فوق الاعتبارات الأخرى، إلا أنهم يعتقدون أن المصالح المشتركة ربما قد تهدئ من المواجهات وتشكل الضابط للعبة المفاوضات الدبلوماسية، وتؤدي إلى اتفاق سياسي أوسع قد ينهي المواجهة الحالية ويمهد حلاً لكل الأزمات الأخرى في المنطقة بما فيها في غزة ولبنان واليمن وأماكن أخرى.
المندوبون للمفاوضات يتحركون على أساس “البزنس”. تحلو لهم هذه المقاربة لأنهم يعتقدون منذ نشأتهم المهنية أن الأطراف إن كانت حكومية أو غير حكومية يهمها تلك المصالح أولاً وإن لم يكن هناك حلول على الصعيد الجيوسياسي.
النظام الإيراني يستعمل اللوبيات المختلفة التي يسيطر عليها على الصعيد الإعلامي والدبلوماسي وحتى الثقافي، لنشر هذا النوع من القناعة داخل المجتمع الأميركي، لا سيما الرأي العام المؤيد للرئيس ترمب، ومن ثَم تقنعه أن مبادرة المفاوضات هو أفضل خيار، وقد يأتي بنتائج حتى الآن.
أجزاء من القاعدة المؤيدة باتت مقتنعة بأنه حتى لو أن الولايات المتحدة الأميركية تحاول التوصل إلى اتفاق أو صفقة مع طهران ولا ترى في الواقع كيف يمكن أن يحدث ذلك بسبب التناقضات الكبيرة، فإن هناك خططاً لا يعرفها لكنه يثق في إدارة الرئيس ترمب. إذاً هكذا تكون إيران قد حققت من دون أن توقع على أي اتفاق انتصاراً نفسياً وإعلامياً بمجرد أن تقول إن المفاوضات تسير بصورة جيدة، ومن ثم ستكون هناك نتائج جيدة.
الإيرانيون يبدون وكأنهم توصلوا إلى تعهد يحميهم من ضربات أميركا أو إسرائيل إلى حد ما؛ لأن المفاوض الأميركي يشعر بأنه بات قريباً من إنجاز صفقة معينة، ومن ثَم فإن إدارة الرئيس ترمب لا تريد تعكير صفو المحادثات وهذا مكسب كبير لطهران، ومع كسب الوقت بإمكان الوفد المفاوض الإيراني أن يقدم تنازلات صغيرة جداً لكنها تبدو كبيرة بفضل تضخيمها في الإعلام.
تعتقد إيران أن ما ستصل إليه هو تجميد الوضع من جديد على الساحة اليمنية، والضغط على لبنان لكي يستوعب “حزب الله”، وبالطبع تجميد مواجهة الميليشيات في العراق. ولكي تتمكن إيران من أن تعالج خسارتها في سوريا من ناحية، وتعزيز اتفاقاتها مع روسيا والصين على الصعيد الاستراتيجي الكبير تعمل على إقناع الأميركيين بتجميد الضربة الكبرى وحماية المفاوضات.
أما إدارة الرئيس ترمب فهي لا تزال على خطى متتالية تحشد في المنطقة بقوة رادعة لتقول لطهران، إنه إذا فشلت هذه المفاوضات فإن الخيار الآخر سيكون عسكرياً. إلا أن المفاوضين الأميركيين باتوا يشكلون قوة معنوية وسياسية داخل الولايات المتحدة الأميركية، لا سيما لدى الفئات التي تؤيد الاتفاق، فهناك كتلة “بيزنس” قادرة على إقناع الأميركيين وخصوصاً القوى المضادة للتدخل في الشؤون الخارجية بأن تحمي هذه المفاوضات وتعطي لها الفرصة للنجاح.
إلا أن العامل الذي قد يؤثر سلباً في الاستراتيجيات الإيرانية هو التموقع الإسرائيلي الجديد الذي من ناحية يلتزم مواقف الرئيس ترمب ويؤيد هذه العلاقة التنسيقية مع واشنطن لكن من ناحية أخرى يقوم بخطوات متعددة من أجل الاستعداد للخيار العسكري إذا ما فشلت المفاوضات. فإسرائيل لا تنسحب من مواقع أخذتها من لبنان وتتقدم على محاور سوريا الجنوبية وهي أيضاً تحشد وتهيئ نفسها لضربات في توقيت معين على مواقع مهمة بالنسبة إلى أميركا وإسرائيل، وهي النووي من ناحية ومؤسسات النفط من ناحية أخرى، وأخيراً سيناريو يتعلق بالحرس الثوري.
إيران تعرف ذلك وهي تقوي موقع المفاوضين الأميركيين الذين يؤثرون على الرئيس ترمب، وعلى رأسهم ويتكوف الواثق في ما يتعلق بالتوصل إلى الشيء المطلوب من ترمب، وهذا أهم هدف لدى البيت الأبيض في هذه المرحلة، أي الحصول على وثيقة معينة للتفاهم بإمكان الرئيس أن يعلن عنها ليقنع الشعب الأميركي أنه خيار السلام المدعوم عسكرياً هو ربما أفضل خيار.
إلا أن قطاعات واسعة من الأمن القومي والدفاع الأميركي يرون تقدم النظام الإيراني على المحاور الإقليمية على الأرض من دعم للميليشيات وتنظيمها والاستعداد لمواجهة إذا لم تصل إلى مفاوضات حاسمة. فماذا يمكن أن يعطل الاستراتيجية الإيرانية المرتبطة بالتقدم على محور الوقت والانتظار المطول؟
هل توجه إسرائيل ضربة لأنها ترى أن الاستعدادات الإيرانية باتت قريبة من تهديد الأمن القومي الإسرائيلي؟ وهذا ممكن لأن ما يجري في سوريا قد يؤدي إلى مواجهة بين النظام القائم أي هيئة تحرير الشام من ناحية وحلفاء إسرائيل في جنوبي سوريا، ومواجهة مثل تلك قد تؤدي إلى تغيير الجغرافيا السياسية في سوريا وعودة بعض ميليشيات إيرانية لمناطق معينة في سوريا مما يدفع بإسرائيل وربما تركيا للتدخل من الجديد.
هناك سيناريو آخر، وهو أن تنفجر الحرب داخل لبنان بين “حزب الله” من ناحية ومجموعات معارضة من ناحية أخرى. الجيش اللبناني قد يضطر إلى التدخل مما سيدفع بإيران لكي تتدخل ومن ثم تجبر إسرائيل على الرد مما قد يؤثر في المفاوضات الأميركية- الإيرانية.
وهناك سيناريو ثالت، وهو أن تنفجر ثورة جديدة أو شكل من صور الانتفاضة داخل إيران تلزم نظامها بأن تضربها بقوة ومن ثم تتم عسكرة المعارضة وتتحول إلى اشتباكات داخلية. في هذا السيناريو قد تتدخل إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية لضرب القطاعات المتعلقة بالسلاح النووي وهذا بدوره يفشل المفاوضات.
العامل الشعبي الداخلي الإيراني قد يؤثر في المفاوضات، فالقيادة الإيرانية لا تملك كل الأوراق لفرض تغيرات سياسية كبرى في المنطقة. لنرَ.
نقلا عن اندبندنت عربية