سقوط مروحية يغيّر مستقبل إيران
أحمد عدنان
تغيب الوجاهة عن التحليلات التي تستخف بأثر وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي – مع آخرين – في حادثة سقوط مروحية، ربما لن تتأثر إيران في المدى المنظور والقريب بحكم وجود المرشد الأعلى علي خامنئي، لكن في المدى الاستراتيجي، خصوصاً في مرحلة ما بعد خامنئي، هناك تأثير كبير.
ترشح رئيسي لرئاسة الجمهورية بدعم شخصي ومباشر من المرشد الأعلى، وأجمعت التحليلات على أن رئيسي ليس رئيس جمهورية فقط، بل هو المرشح الأول لخلافة خامنئي بمباركته، ولم يكن متوقعاً أن يجد رئيسي معارضة جدية لا من الحرس الثوري ولا من القوى المحافظة (عصب السلطة) بحكم أنه شخصية متشددة، وبحكم تاريخه الدموي، وبالمعنى السياسي، كان رئيسي سيشكل امتداداً أميناً ودقيقاً لحكم خامنئي بحكم أنه خادم مطيع لمرشده حياً وميتاً، وشخصية “المريد” أو “التلميذ” للمرشد الأعلى لمسناها بوضوح في رئاسة رئيسي غير المكتملة، إذ انحسر تماماً حضور رئيس الجمهورية – إعلامياً وسياسياً – طوعاً لصالح طغيان تام للمرشد الأعلى على المشهد، وهذا لم يحصل حتى في عهد أكثر الرؤساء الإيرانيين تشدداً (محمود أحمدي نجاد).
بوفاة رئيسي، تغيّر المشهد المستقبلي تماماً، إذ ستكون خلافة خامنئي موضع منافسة بين شخصيات مختلفة، ما لم يحسم المرشد نفسه هذا التنافس والصراع بالتسمية أو بالتمكين من خلال رئاسة الجمهورية أو استئمان الحرس الثوري الناخب الحقيقي والخفي لشخص المرشد الجديد، لتصبح انتخابات “مجلس خبراء القيادة” للمرشد الجديد مسألة شكلية ومرسومة ومحسومة، ولزيادة الأمان سيسعى الحرس الثوري الى الاستيلاء على المنصبين: رئيس الجمهورية والمرشد الأعلى.
وأياً تكن شخصية المرشد الجديد، سواء سينتخب قبلها رئيساً للجمهورية أو لا، فهو بحاجة إلى بناء رمزية “ثورية”، تسهل حكمه بتأييد مطلق من الحرس الثوري، وبمحاصرة ووأد أي منافسة أو معارضة أو مناقشة داخل اللوبي المحافظ، وللأسف الشديد، لن تتحقق هذه الرمزية، من دون المزيد من التشدد الداخلي والخارجي، هذا التشدد الذي قد يصل إلى سفك الدماء داخل إيران وفي دنيا العرب، خصوصاً وأنه من دون هذه الرمزية، بحكم الفوران الإيراني الداخلي، وبحكم تطورات منطقة الشرق الأوسط التي تنتهي حكماً وحتماً إلى محاصرة الجمهورية الإسلاموية الإيرانية سواء من خلال اتفاقيات السلام العربية – الإسرائيلية او من خلال تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية التي لم تعصف بمنطقتنا بعد، كل هذه العوامل ستستغل ضعف المرشد الجديد – لو كان ضعيفاً أو مستضعفاً – لتحوله إلى “غورباتشوف” إيراني يتفكك النظام على يديه، وهذا سيناريو يتشابه في محصلته مع سيناريو الصراع الداخلي على منصب المرشد بعد وفاة خامنئي، سواء كان هذا الصراع داخل الأجنحة الإيرانية المحافظة والمتشددة أو امتد الى شرائح أخرى داخل إيران لا ترغب في الاستيلاء على منصب المرشد بقدر رغبتها في إلغاء منصب المرشد أو تقليص صلاحياته وقص أجنحته، الأمر الذي يتناقض مع المصالح الوجودية المباشرة للحرس الثوري.
سقوط المروحية الذي قتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، غيّر مستقبل إيران المرسوم سلفاً من المرشد الأعلى، وهذا درس دائم بأن مشيئة الخالق فوق مشيئة المخلوق، ليكون السؤال: هل هذا التغيير سيأتي في مصلحة الإيرانيين وفي مصلحة العرب والغرب أو في مصلحة النظام الحاكم؟ تقول حكمة إغريقية: “إن الآلهة لا تعاقب البشر حين تغضب عليهم، وإنما هي تسلط عليهم أنفسهم، وكفى!”.
نقلا عن ” GRAND”