مقالات

روسيا تنصح إيران بإنجاح «فيينا» قبل فوات الأوان!

هدى الحسيني

المشاركون في المباحثات المباشرة مع إيران في قصر كوبورغ في فيينا هم أربع دول في مجلس الأمن زائد ألمانيا، ويجلس الفريق الأميركي في مكان مجاور، حيث يتم التواصل معه للحصول على ملاحظاته وقراراته التي تعدّ أساساً لأي تقدم.
الدول الخمس زائد واحد تريد التوقف الفوري لبرنامج إيران النووي وتسليم ما يزيد على 60 في المائة من اليورانيوم المخصب وتعطيل محطات للتخصيب موجودة في أنحاء متعددة من إيران. كما تطلب الدول الخمس زائد واحد من إيران أن تفتح جميع المراكز لفريق المراقبين الدوليين لكي يتم التأكد من التزامها بوقف البرنامج النووي؛ ولقاء تنفيذ ذلك ستفرج الولايات المتحدة تدريجياً عن أرصدة إيران المجمدة في البنوك حول العالم.
هناك فصل للأموال المجمدة بسبب البرنامج النووي والأخرى المجمدة بسبب الإرهاب وخرق حقوق الإنسان، وهذه ستبقى محجوزة إلى أن تغير إيران من سياساتها وسلوكها.
من ناحيتها، تقول إيران إن برنامجها النووي هو لأغراض سلمية، وهي ستلتزم بإيقافه بشرط الإفراج الكامل وغير المشروط عن الأرصدة المجمدة، وإلى أن يتم هذا فهي ماضية في برنامجها وبعملية التخصيب. كما يطلب الوفد الإيراني أن يحصل على تعهد أميركي يمنع أي إدارة أميركية في المستقبل من أن تلغي الاتفاق كما فعل الرئيس السابق دونالد ترمب.
إيران تفاوض بلعبة حافة الهاوية للحصول على أعلى نسبة من المكتسبات، ولكن تصريح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بعد اجتماعه مع نظيره الروسي سيرغي لافروف بأنه ليس هناك مجال لإضاعة الوقت والمراوغة، وأن هناك نافذة صغيرة للاتفاق خلال وقت وجيز جداً (ما بين فبراير/ شباط ومارس/ آذار) وإلا فإن هناك خيارات أخرى مع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، قد يكون وضع حداً لحافة الهاوية الإيرانية التي تستمتع بممارستها. وقد قام رئيس الجمهورية الإيرانية إبراهيم رئيسي بزيارة موسكو والاجتماع مع الرئيس فلاديمير بوتين يوم الخميس الماضي، وفي معلومات من مصادر مقربة من الخارجية الروسية قيل أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبلغ رئيسي أن الوقت قد حان للاتفاق منعاً لما لا تحمد عقباه، وحيث لن تجد إيران أحداً يقف معها. وقد عرض بوتين مشروع اتفاق يتم على مراحل وعند اجتياز كل مرحلة يتم الإفراج عن أموال مجمدة. وتضمن المشروع الروسي تسليم إيران لليورانيوم المخصب الذي يفوق 60 في المائة إلى روسيا، أما عن ضمان عدم إلغاء الاتفاق مستقبلاً فتتم الموافقة على الاتفاق في مجلس الأمن بالإجماع. وكما كان متوقعاً، رفضت إيران وصعّدت في دعمها للحوثيين الذين بالكاد يشكلون واحداً في المائة من الشعب اليمني، ليضموا في اعتداءاتهم الليلية على المملكة العربية السعودية، دولة الإمارات العربية المتحدة. إن تحرير شبوة كان بمثابة سكين على عنق إيران، التي لإظهار «تلهفها» لنفي دورها عرضت القيام بوساطة سلام (!) دولة الإرهاب تتحدث عن السلام أثناء مفاوضات، تُظهر لشعبها أنها تقودها بـ«أصابعها».
المرجح كي لا نقول المؤكد، أن إيران وتحديداً المرشد الأعلى علي خامنئي الذي يعود الأمر إليه في النهاية، لا يرغب في الحرب لأنه يعلم جيداً أن نظامه لن يصمد طويلاً إذا وقعت، فجعجعة العظام لا تطعم لحماً. ومن ناحية أخرى، يدرك خامنئي أن بلاده يضربها الفقر والعوز وتحتاج إلى الكثير من المال والجهد لإعادة التأهيل؛ ولهذا سيقبل بمشروع للاتفاق روسياً كان أو صينياً في الساعة الأخيرة وسيقدمه إلى شعبه وأذرعه على أنه نصر مبين للإسلام ولإيران.
والحقيقة، هي أنه وهم النصر الذي تتقن إيران جيداً أساليب تسويقه والسيطرة عن طريقه. لكن في اليوم التالي للاتفاق ستجد الدولة الفارسية ألغاماً عدة ترتفع في طريقها إلى السيطرة وحلم استعادة الإمبراطورية.

بدءاً بلبنان، فإن هذه الورقة قد استهلكت بالكامل من إيران بواسطة «حزب الله» الذي هو فعلياً جناح أساسي لـ«فيلق القدس». مما لا شك فيه أن وجود «حزب الله» المسلح الذي يفوق في قدراته قوة الجيش اللبناني هو ما يمنع قيام الدولة الشرعية، وهذا هو تماماً ما حصل أثناء وجود منظمة التحرير الفلسطينية في سبعينات القرن الماضي، والدرس الذي تعلَمه الكثر من اللبنانيين أنه لا يمكن قيام الدولة إلا إذا كان لديها حصرية السلاح. وبسبب ضعف الدولة يسود الآن في البلد الصغير الإفلاس الاقتصادي والانحلال في القيم الاجتماعية وانهيار دولة القانون وانفلات الأمن وفقدان هيبة القوى الأمنية. ورغم هذا، ففي لبنان قوى حية لديها تعلق شديد بالأرض وبالعودة إلى الدولة القادرة والعادلة، هذه القوى السيادية تقاوم بضراوة مشروع سيطرة إيران وهي ستكون لغماً متفجراً بوجه إيران وأذرعها. ولن يطول الوقت لذلك.
في سوريا ألغام وألغام. بدءاً من التنافس الروسي مع المشروع الإيراني إلى تنافس آخر مع الأتراك لسلخ مناطق مهمة وحيوية إلى احتمال فصل مسار بشار الأسد عن الإيرانيين ودخوله في مشروع سلام مع إسرائيل، إلى عودة تنظيم «داعش»… كلها ألغام متفجرة في وجه إيران والدليل ما يحدث في الحسكة.
أما العراق فلا يخلو من الألغام هو أيضاً. فالشعب العراقي كما اللبناني انتفض على هيمنة الفرس وما وصلت إليه أحواله من فقر وعوز، وكذلك سرقة هويته القومية العربية وتاريخه. وستستمر انتفاضات الشعب العراقي العربي التي ستكون مصدر قلق للإيراني الذي سيُستنزف في أرض الرافدين، وها هو قائد «الحرس الثوري» إسماعيل قاآني يكرر الذهاب والإياب إلى العراق وبالذات النجف للمحافظة على ما يستطيع من نفوذ إيران المتهاوي في العراق.
يجب ألا ننسى الخطر الأشد فتكاً على إيران من الألغام الأخرى كافة، وهو المتمثل بـ«طالبان» السنية في أفغانستان والتي لديها الكثير من العداء التاريخي للنظام الإيراني والتي تملكت ترسانة هائلة من السلاح الأميركي المتطور، تُركت له أثناء الانسحاب في الصيف الماضي.
الأكيد أن أي اتفاق في فيينا لن يكون مفتاحاً لعصر إيران الذهبي في المنطقة ومن الممكن أن يكون تجريداً لقوتها النووية وبداية لانحسار مدها وانتهاء حلم الإمبراطورية.
يدرك الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أن إحياء اتفاق طهران النووي لعام 2015 ممكن إذا رفعت الولايات المتحدة العقوبات التي أصابت اقتصاد بلاده بالشلل.. هذا ما قاله يوم الثلاثاء وهو المنتمي لغلاة المحافظين للتلفزيون الإيراني الرسمي «إذا رفع الطرف الآخر العقوبات فسيكون هناك إمكان لإحياء الاتفاق» مع العلم بأن «محادثات فيينا تجري ببطء كبير، لكن لم نصل لطريق مسدود بعد» وتكذب وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا)، بأن المفاوضات النووية تمضي قدماً وسط تركيز الوفد الإيراني المفاوض على موضوعي الضمانات بعدم الانسحاب مجدداً، والتحقق من إلغاء العقوبات.
وكان وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، قد قدم «تنازلاً» بأن محادثات فيينا تقترب من اتخاذ قرارات سياسية، موضحاً أنه من الممكن عقد محادثات مباشرة مع الأميركيين إذا لزم الأمر أيضاً، وكانت إيران رفضت مراراً إجراء مباحثات مباشرة مع الولايات المتحدة في فيينا، معللة ذلك بأن واشنطن لم تعد طرفاً في الاتفاق.
لكن ماذا عن الألغام في الداخل الإيراني؟ سنكتفي اليوم بمشكلة التضخم.
لقد بلغ معدل التضخم السنوي في إيران العام الماضي 43.4 في المائة، وفقاً لمركز الإحصاء الإيراني، الرئيس رئيسي مصمم على خفض التضخم في عام 2022؛ لأن التضخم المرتفع يضر بالاقتصاد وقد يثير اضطرابات سياسية. تعتمد قدرة طهران على التحكم في الأسعار على عوامل عدة، لكن العنصر الحاسم هو العقوبات الأميركية، التي حدّت من وصول النظام إلى العملة الصعبة والتجارة العالمية.
عند 43.4 في المائة، كان متوسط معدل التضخم لمدة 12 شهراً لعام 2021 أعلى بمقدار 12.9 نقطة مئوية عن مستواه في عام 2020 البالغ 30.5 في المائة.
ومع ذلك، فقد تضاءل التضخم في إيران إلى حد ما خلال الأشهر القليلة الماضية بسبب عوامل متعددة، بما في ذلك تخفيف العقوبات الأميركية تشجيعاً لها للإسراع في التفاوض، وزيادة عائدات الصادرات الإيرانية من النفط إلى الصين وفنزويلا بالذات. لقد جعل رئيسي السيطرة على التضخم ركيزة من ركائز سياسته الاقتصادية، وبناءً عليه قدم ميزانية انكماشية إلى البرلمان.

ومع ذلك، فإن قدرة طهران على كبح جماح التضخم في عام 2022 تعتمد في المقام الأول على مصير المفاوضات النووية الجارية شرط أن تؤدي إلى رفع العقوبات الأميركية، وعلى الانضباط المالي والنقدي للنظام. تؤثر العقوبات على التضخم من خلال قنوات عدة؛ أولاً، تقلل العقوبات من قدرة إيران على تصدير البضائع وتوليد الإيرادات. ثانياً، العقوبات تجعل واردات إيران أكثر تكلفة. ثالثاً، إنها تحد من وصول طهران إلى عائدات التصدير واحتياطيات العملة.
يمكن أن يساعد وجود الانضباط المالي والنقدي لاتباع سياسة انكماشية في كبح التضخم. لتعزيز مثل هذه السياسة، يمكن لرئيسي أن يحد من الإنفاق، وخفض العجز المالي لإيران، والامتناع عن كبح أسعار الفائدة. ومع ذلك، فإن قول هذه المهمة أسهل من القيام بها؛ لأنها يمكن أن تؤدي إلى ركود وقد تضع رئيسي في خلاف مع مجموعات الضغط القوية، والقوى الانتخابية والآيديولوجية. وبذلك، يمكن أن يخلق اضطرابات سياسية، لأن التنقل في هذه المتاهة يتطلب مهارات سياسية وكفاءة تكنوقراطية يفتقر إليها رئيسي وفريقه.
على سبيل المثال، تتمثل إحدى طرق تضييق العجز في زيادة الإيرادات الضريبية، إلا أن فرض ضرائب على السكان الفقراء أمر صعب وخطير. علاوة على ذلك، فإن المصادر الرئيسية للإيرادات المحتملة محظورة فعلياً؛ نظراً لأن اللاعبين الرئيسيين المرتبطين سياسياً في الاقتصاد يدفعون القليل من الضرائب أو لا يدفعون أي ضرائب. يشمل هؤلاء اللاعبون مؤسسات مختلفة اعتاد رئيسي أن يديرها. من غير المرجح أن يتحدى الرئيس، الراغب في خلافة المرشد الأعلى لإيران البالغ من العمر 83 عاماً، الشخصيات والمؤسسات الرئيسية وإجبارها على دفع ضرائبها. في نهاية المطاف، أن مصير التضخم الإيراني في عام 2022 هو بيد خامنئي. هو وحده الذي سيقرر ما إذا كان سيُبرم اتفاقاً مع واشنطن يفرض قيوداً ذات مغزى على برنامج طهران النووي مقابل «تخفيف» العقوبات؛ لأن الاتفاق الشامل سيصيب برنامج الصواريخ ودور الأذرع.

الشرق الأوسط

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى