رفع العقوبات عن إيران، رسائل خاطئة أم مؤامرة مقصودة؟
صالح البيضاني
تراجع المجتمع الدولي في مفاوضات فيينا خطوات للوراء أمام الابتزاز الإيراني، فجلس الحوثيون مع المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ بعد مقاطعة طويلة استمرت لشهور، أما تصعيدهم باتجاه الإمارات فقد حمل هذه المرة عنوانا مختلفا بعد أن تبنت منظمة مجهولة اسمها “ألوية الوعد الحق” التي تبدو كاسم حركي جديد لإرهاب واحد مصدره إيران وتحديدا الحرس الثوري الإيراني.
وعلى وقع هذا الإرهاب الإيراني الذي استهدف تحت عناوين مختلفة الإمارات والسعودية ومطار بغداد وحتى القواعد الأميركية في المنطقة وإمدادات الطاقة العالمية وممرات الملاحة الدولية، ترسل واشنطن ومن خلفها دول الاتحاد الأوروبي رسالة خاطئة جديدة مفادها أن إرهاب طهران وابتزازها للعالم وتهديدها للأمن العالمي وسيلة فعالة وناجعة لتحقيق أهدافها السياسية وغير السياسية.
وهذه الرسالة التي عبرت عنها تصريحات مسؤولين أميركيين عن نيتهم رفع العقوبات عن النظام الإيراني هي نسخة مكررة من رسالة أخرى بعثها البيت الأبيض قبل ذلك للحوثيين عندما شطبهم من قائمة المنظمات الإرهابية وفي كلا الحالتين بعثت واشنطن تلك الرسائل القاتلة في الوقت الذي تواصل إيران عبر أذرعها زعزعة الأمن الإقليمي والعالمي وإرسال المزيد من الطائرات المفخخة التي تشبه مفخخات داعش وربما تكون أكثر ضررا منها.
ومن يتابع حالة الليونة التي تبديها الولايات المتحدة والغرب عموما تجاه إيران وأذرعها المسلحة في الشرق الأوسط، لا يخالجه شك بأن هذه الدول التي تحرص على حماية البيئة والحيوانات وحقوق الإنسان وتتحد في مواجهة الإرهاب بشقه السني المتمثل في القاعدة وداعش، تبدو أكثر رومانسية وتسامحا في مواجهة الإرهاب الشيعي الذي يتمظهر اليوم على صورة الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان والعشرات من الجماعات الإرهابية في العراق وسوريا التي استهدفت الرعايا الغربيين والقواعد الأميركية، أكثر حتى مما فعله داعش ذاته الذي ابتهج الرئيس الأميركي قبل أيام بمقتل زعيمه المختبئ في أحد الملاذات في شمال سوريا، في الوقت الذي كان الحوثيون يتباهون بقصف القاعدة الأميركية في مطار الظفرة، ويواصلون احتجاز العشرات من الموظفين في السفارة الأميركية بصنعاء التي اقتحموها وعبثوا بمحتوياتها قبل ذلك.
والمتفائل قليلا ربما يظن أن الولايات المتحدة والغرب يسعون لاستنفاد كل فرص الحوار مع طهران قبل معاقبتها على سجل طويل من الاستهدافات للغرب ومصالح واشنطن وحتى رعاياها الذين مازال بعضهم معتقلا حتى اليوم في سجون النظام الإيراني، بينما الحقيقة المؤلمة والتي قد تبدو للوهلة الأولى كامتداد لنظرية المؤامرة الشهيرة التي يؤمن بها العرب أكثر من غيرهم ولكنهم لا يعدون العدة لمواجهة آثارها، تقول إن مشروع تسليم منطقة الشرق الأوسط لإيران ووكلائها يجري على قدم وساق وأن ما يعتمل في كواليس مباحثات فيينا، ليس سوى التفاوض حول تفاصيل هذا التسليم وشكله والبحث عن ضمانات كفيلة بطمأنة إسرائيل فقط.
والحديث عن مخطط تسليم زمام المنطقة لإيران ومحورها، مع ضمان أمن تل أبيب ليس أمرا جديدا، لكنه مر بمراحل تعثر عديدة، تخللها ظهور مقاومة لهذا المشروع قادتها السعودية والإمارات التي باتت اليوم تدفع ثمن رفضها لمخطط تسليم المنطقة لطهران على طبق من التخاذل الدولي والحسابات الأميركية الخاطئة التي امتزجت برسائلها المخاتلة التي يختبئ خلفها جبل من جليد التنظيرات التي وضعت قواعدها في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما الذي سعى لتمكين التيارات الراديكالية في الشرق ضمن رؤية أميركية غير مفهومة للسلام ووقف العنف والديمقراطية العابرة للحدود.
وفي ضوء ما يبدو أنه قرار دولي للتصالح مع حالة الجموح الإيراني في الشرق الأوسط، أصبح جليا أن الرهان على واشنطن والغرب عموما كحليف يمكن أن يوقف هذا الجموح الإيراني ضربا من الخيال، بينما بات نسج تحالفات أوسع شرقا نحو دول مثل الصين وروسيا والهند أمرا قد يكون فات أوانه، وتبقى الخيارات المتاحة باعتقادي في توسيع دائرة المشروع العربي لمواجهة التحولات القادمة، وقبل ذلك عدم إضاعة المزيد من الوقت في اليمن وضرورة حسم هذا الملف الذي تراهن طهران وواشنطن والغرب على أن يكون بوابة لعبور مخططات تفتيت المنطقة قبل وضعها تحت أضراس الملالي وأتباعهم.
العرب اللندنية