أهم الأخبارمقالات

دور لبنان لا وظيفة السلاح

 

رفيق خوري

ليس في لبنان عادة شيء اسمه “اليوم التالي”، وهو كان أكثر من مرة على موعد وعهد حيال الانتقال إلى مرحلة جديدة، وفي كل مرة كان الوعد بمرحلة جديدة يتعثر، أولاً بصعوبة القطع مع الماضي وثانياً بانغلاق نافذة الفرصة بسبب تطورات وانشغالات إقليمية ودولية، وثالثاً بقوة الوصاية الإقليمية.

وعد المرحلة الجديدة بعد اتفاق الطائف بددته الوصاية السورية التي جعلت اليوم التالي في لبنان خطوة على الطريق إلى إكمال الهيمنة السورية، ووعد المرحلة الجديدة بعد ثورة الأرز والانسحاب العسكري السوري عام 2005 طغى عليه تمدد النفوذ الإيراني في إطار مشروع إقليمي واسع، فاخرت طهران خلاله بأنها صارت تحكم أربع عواصم عربية هي بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء.

اليوم، يأتي الوعد في ظروف مختلفة، “حرب الإسناد” التي بدأها “حزب الله” غداة عملية “طوفان الأقصى” التي قامت بها “حماس” انتهت بدمار كبير في لبنان مع الدمار الشامل داخل غزة وتوجيه ضربات قوية لقادة “المقاومة الإسلامية” وكوادرها، وفي طليعتهم الأمين العام السيد حسن نصرالله وخليفته هاشم صفي الدين.

اليوم التالي في غزة لا يزال موضع أخذ ورد وسط إصرار أميركي وإسرائيلي على رفض أن تستمر “حماس” في حكم القطاع والدعوة إلى نزع سلاحها، ونظام الرئيس الأسد انهار في سوريا، ومشروع الجمهورية الإسلامية بدأ في الانحسار بعد مد واسع. والسؤال هو هل المرحلة الحالية هي لقطع الأذرع الإيرانية في المنطقة وإجبار جمهورية الملالي على التصرف كدولة عادية ضمن حدودها، أم إنها ستبدأ من النبع وضرب المركز في طهران؟

إيران لا تزال، أقله علناً، في حال إنكار وتتصرف كأنها قادرة على استعادة ما خسرته، و”حماس” توحي بأنها “منتصرة”، كذلك “حزب الله”. كيف؟ عبر نظرية الحد الأقصى والحد الأدنى. نتنياهو وضع شعار “تدمير ’حماس‘” وما دام هذا الشعار لم يتحقق كاملاً فإن “’حماس‘ منتصرة” على رغم الدمار. و”حزب الله” أوحى أن إسرائيل شنت حربها للقضاء الكامل عليه واحتلال لبنان وتغيير نظامه، وحين لم يتحقق ذلك تماماً أعلن قادة الحزب أنهم “منتصرون”.

لا أحد يتوقع أن يعترف “حزب الله” بأن “حرب الإسناد” كانت غلطة استراتيجية أضعفته ودمرت لبنان. ولا شيء يوحي أن حديث قادة في الحزب عن الهدف من مراجعة التجربة هو التسليم بأن مرحلة المقاومة المسلحة انتهت، بل هو على العكس الاستفادة من الأخطاء للعودة إلى القتال بصورة أفضل. وهذه كانت “الرسالة” التي بعث بها الحشد الكبير في بيروت يوم تشييع السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين إلى الداخل والخارج، وموجزها أن “حزب الله” استعاد قوته والمقاومة تحتفظ بسلاحها، والبيئة الداعمة للمقاومة الإسلامية لا تزال متمسكة بها على رغم تهجيرها وتدمير قراها ومنازلها.

لكن المسألة أشد تعقيداً من هذا التبسيط في القراءة، فلا مجال لخروج “حزب الله” من المعادلة، وهو يتمتع بأكثرية داخل الطائفة الشيعية. ولا مجال في المقابل لبقاء “المقاومة الإسلامية” في الميدان لأن التحولات الإقليمية والدولية أدخلت المنطقة كلها، لا لبنان وغزة فحسب، في مرحلة جديدة. وإذا كان نزع سلاح “حزب الله” يبدو مسألة شائكة بالنسبة إلى السلطة اللبنانية وحتى إلى مجلس الأمن والمجتمع الدولي، فإن استخدام السلاح لم يعد ممكناً، والدليل أن إسرائيل تحتل وتعتدي وتقصف يومياً أهدافاً للمقاومة الإسلامية في الجنوب والبقاع من دون أي رد، لأن “حزب الله” يعرف أن أي صاروخ يطلقه سيؤدي إلى مغامرة انتحارية في حرب واسعة.

أكثر من ذلك، فإن إيران في مرحلة مراجعة وبحث عن مفاوضات مع أميركا حول الملف النووي والقضايا الإقليمية ورفع العقوبات. والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان يقول بصراحة “نريد التفاوض مع أميركا لكن ترمب يضع يده على رقابنا”. وفي الأساس، فإن “المقاومة الإسلامية” هي عنوان للأذرع المسلحة التي أسسها الحرس الثوري في العراق وسوريا ولبنان، وللميليشيات التي كانت قائمة قبل تقديم المال والسلاح في طهران لها في اليمن وغزة. وهذا مشروع مرشح لأن يطوى دبلوماسياً أو يُضرب عسكرياً.

المعادلة واضحة، وظيفة السلاح غير الشرعي انتهت على الطريق وفق ما أعلن الرئيس جوزيف عون أنه “احتكار الدولة لحمل السلاح”، ودور لبنان أُعيد إليه الاعتبار، والرئاسة الجديدة ورئاسة الحكومة الجديدة بداية مرحلة جديدة مرشحة لأن تكون انتقالية وتأسيسية أو تصبح مجرد وعد كالوعود الماضية. والاختبار بدأ بعد نيل الحكومة الثقة، وانطلاق رئيس الجمهورية في زيارات خارجية مهمة تبدأ بزيارة السعودية.

وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت ماكنمارا يعترف في كتاب “استعادة التراجيديا ودروس فيتنام” أن “القوى العظمى تفشل في رؤية حدود قوتها المعقدة والمتطورة”، لكن الميليشيات المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني تتصرف كأن قوتها لا محدودة. ولذلك، تدفع الثمن ويدفع البلد ثمناً أكبر.

نقلاً عن اندبندنت عربية

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى