“حزب الله” يخطّط لرمي لبنان في ” الجحيم الثالث”!
يحاول “حزب الله” أن يستثمر، مرّة جديدة في الخوف من التداعيات الخطرة للشغور الرئاسي المعطوف في المرحلة الراهنة، على “شبه شغور” حكومي، من أجل أن يعيد إلى القصر الجمهوري اللبناني نموذجًا شبيهًا بالرئيسين السابقَين إميل لحود وميشال عون، متجاوزًا، بطبيعة الحال، الرئيس ميشال سليمان الذي توسّط عهده هاتين الولايتَين.
ولم يكن إعجاب “حزب الله” بلحّود وعون سرًّا ولا “حقده” على سليمان أيضًا، لكنّ التباهي بذلك، على لسان أمينه العام حسن نصرالله، في حقبة “تخصيب الرئيس”، يحمل دلالات خطرة للغاية، لدرجة يعتقد معها أنّ تجهيز “الجحيم الثالث” قد انطلق، لأنّه في وقت نجح فيه سليمان، بهدوء ورويّة وحكمة وبأكبر قدر من التوافقيّة “الإيجابيّة”، في منع لبنان من الإنزلاق إلى الهاوية التي كانت قد حُفرت له في إقليم اشتعلت فيه نيران الحروب وصراعات المحاور، كان عون يستعيد، بدعم من “حزب الله”، نهج لحود الذي طالما حظي بدعم النظام السوري.
وأنتجت ولايتا لحود وعون اللتان ارتبطتا تبعِيًّا بدعم “وصي ترهيبيّ” أسوأ الكوارث التي عرفها لبنان.
في زمن لحود وصلت الصراعات الداخليّة إلى أوجها، سواء بين أركان السلطة أو بين المعارضة التي تريد تحرير لبنان من عبء النظام السوري ووصايته واحتلاله، من جهة وبين الموالين له يتقدّمهم “حزب الله”، بطبيعة الحال، من جهة ثانية.
وبما أنّ قامة الرئيس رفيق الحريري وطاقاته وقدراته وعلاقاته كانت ضخمة، فإنّ لبنان نجا من انهيار كان حتميًّا.
ولا يمكن فصل الإغتيال الذي نال من الحريري عن القدرات الإنقاذيّة التي كان يتميّز بها.
وعليه، لم تتمكّن ولاية لحود من رمي لبنان في جحيم الإنهيار المالي والإقتصادي والمؤسساتي، بل دفعت له إلى جحيم أمني يُشكّل اغتيال الحريري، في الرابع عشر من شباط فبراير (2005)، نموذجًا صارخًا عنه.
ولو أنّ شرائح وازنة من الشعب اللبناني لم تُسعف المعارضة، في ذاك الحين، بتفجير “انتفاضة الإستقلال” التي تحوّلت في الرابع عشر من آذار (مارس) 2005، إلى “ثورة الأرز”، لكان لبنان قد تحوّل فعلًا، ومنذ ذاك الوقت، إلى ما يريده “الإغتياليّون” أن يتحوّل إليه: متراسًا ضخمًا تلعب فيه أهواء المحور السوري الإيراني أقذر أدوارها.
وعلى الرغم من انقلاب “حزب الله” الأمني والعسكري، بكل ما حمله من معطيات ترهيبيّة، على المعادلات التي أنتجتها “ثورة الأرز” في ما يُسمّي بـ”غزوة 7 أيّار (مايو) 2008″، فإنّه لم يستطع، بسبب وقوف “الرئيس الضعيف” ميشال سليمان في صفّ المصلحة الوطنيّة العليا، أن يستكمل مشروع نقل لبنان من حالة الدولة إلى حالة المتراس.
ومخادع كلّ من يزعم أنّ الرئيس ميشال سليمان قد “طعن المقاومة في ظهرها”، إذ كان يأخذ عليه كثير من اللبنانيّين عدم إقدامه على ذلك، ولكنّ “حزب الله” يراه قد فعل، لأنّ سليمان قد بذل جهده ليمنع هذا الحزب من أن يطعن لبنان في صدره، من خلال محاولة توريط الدولة اللبنانيّة في أن تكون تابعة له في التحاقه بأجندة “الحرس الثوري الإيراني”، في كلّ من سوريا والعراق واليمن والبحرين والكويت والمملكة العربيّة السعوديّة.
وما حال سليمان دونه، نفّذه الرئيس ميشال عون بحذافيره، إذ أسقط لبنان، بفعل سيره بنهج أميل لحود، في جهنّم التي يحرس “حزب الله” أبوابها، بحرارة وإيمان مشهودَين، ويريد لها أن تبقى وتستمر وتتمدّد.
وحاليًا، يسعى “حزب الله” إلى الاستثمار في الفراغ وتداعياته والمخاوف الناشئة عنه والفوضى التي يُروَّج لها أو يحذّر منها، من أجل أن يخلف ميشال عون رئيس لا يختلف عن عون، في المسألة الأخطر على لبنان: السيادة.
وهذا بالتحديد ما فعله “حزب الله”، عند نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان، حتى يتمكّن من إيصال الرئيس ميشال عون إلى بعبدا.
في العام 2016، طمع البعض في أنّ الموافقة على مرشّح “حزب الله” الرئاسي يُمكن أن تُعيد لجزء منهم سلطة فقدوها بالمواجهة، وأن تُعطي جزءًا آخر حصّة وازنة في دولة يريدون دخولها، وأهموا اللبنانيين بأنّ هذه الموافقة سوف تضع لبنان على سكّة التألّق، على قاعدة فصل الاقتصادي عن السياسي، فراحوا يتحدّثون عن حفر الطرق، وعن لقمة العيش، وعن الدواء، وعن البطالة وعن التّربية وعن المداخيل وعن قوّة الليرة التي تحميها “الشعوذات”.
هكذا توهّم هؤلاء، فساروا، بعد إنجاز تفاهمات على “توزيع الغنائم”، بانتخاب عون، ولكن سرعان ما تبيّن لهؤلاء أنّهم اشتروا سمكًا في البحر، وخسروا “الدنيا والآخرة”، فهجر هذا السياسة وانتقل ذاك الى المعارضة، وتاه الشعب بين ثورة وقمع وزبائنيّة، وتحلّلت الدولة ولم يعد لبنان بلدًا يليق بالحياة التي من أجلها وُجد.
المنطق الصحيح، يقول إنّه، بعد التجربة الكارثيّة والمأساويّة، فإنّ أيّ طرف سياسي سبق أن “لدغ من الجحر” لن يُكرّر المحاولة، بل سوف يبذل أقصى جهده، من أجل إحباط خطّة “حزب الله” التي أعلنها حسن نصرالله، أوّل من أمس الجمعة، لكن المنطق السياسي اللبناني لا يعتمد الدقّة مقياسًا، بل المصالح الضيّقة.
وعلى هذا الأساس، ثمّة قوّة نيابيّة تقف، ظاهريًّا، إلى جانب المرشّح ميشال معوّض، تتولّى بذاتها التسويق لمرشح “حزب الله” شبه المعلن، سليمان فرنجيّة، وهو وفق تعبير نصرالله “عين من عينيه”، وهو، وفق تعبير بشّار السد، “صديق وأخ ووفي وشهم”.
إنّ التاريخ يمكن أن يُعيد نفسه في لبنان. المرّة الأولى كانت المأساة، هذه المرّة ستكون المهزلة وستزداد نار الجحيم التهابًا!
حزب نصرالله لا يتحمّل المسؤوليّة عمّا سوف يحصل، إن جاء “معارضوه” بواحد من مرشّحيه رئيسًا للجمهورية، فأهدافه واضحة وجليّة. من سوف يكرّرون الخطيئة التي اقترفوها لمصلحة ميشال عون هم الذين سوف يُرجمون، مرة جديدة، حين يعود الشعب من رحلة التفتيش العبثيّة عن خبز ودواء ومستشفى ووديعة وراتب وومضة كهرباء، ويتذكّر أن لديه حنجرة وساعدًا وأظافر وأقدامًا.
نقلا عن “النهار العربي”