أهم الأخبارمقالات

حروب الوكلاء في المفاوضات الأميركية- الإيرانية

المناخات الودية في مسقط وروما يواكبها تصعيد لفظي متوتر في بيروت وغزة وبغداد وصنعاء

 

طوني فرنسيس

بينما يقترب الحوار الأميركي- الإيراني من نقاطه الشائكة، يزداد الخطاب الإيراني تركيزاً على نقطتين، الأولى محاولة حصر النقاش بالعودة للاتفاق النووي مقابل رفع العقوبات الأميركية، وتالياً تلك الأممية المرتبطة بموعد الـ25 من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل الذي نصت عليه “خطة العمل المشتركة” المقرة عام 2015، مع ما يتضمن ذلك من وعود بفتح الأسواق الإيرانية أمام الاستثمارات الأميركية والغربية، والنقطة الثانية هي الإصرار على استبعاد البحث بأية نقاط أخرى، خصوصاً ما يتعلق بالأسلحة الصاروخية والنفوذ الإقليمي الإيراني وامتداداته المسلحة داخل الدول العربية.

يصر المسؤولون الإيرانيون على عدم قبولهم طرح أية قضايا أخرى غير المسألة النووية ويتمسكون في الوقت نفسه بالاستمرار في برنامجهم النووي الذي تمنع “فتوى” المرشد تحوله إلى برنامج تسلحي، وهم مستعدون للتداول في هذا الشأن بجملة أفكار تراوح ما بين التزام مستوى التخصيب أو نقل كميات اليورانيوم إلى دولة أخرى، لكنهم يرفضون رسمياً ربط هذا النقاش بمصير البنية الإقليمية لوكلائهم من الميليشيات المذهبية التي بنوها طوال 40 عاماً من أجل الدفاع عن هذا البرنامج النووي بالذات الذي تعتبره القيادة الإيرانية ركناً من ثلاثة أركان مهمتها حماية النظام، إلى جانب “الوكلاء” والسلاح الصاروخي الباليستي.

و”الوكلاء” كانوا دائماً السلاح الأمضى والأقل كلفة في ثلاثية دفاع نظام الملالي، فهم يعتاشون على تبني قضية كثيراً ما اعتبرت قضية العرب والمسلمين الأولى، هي القضية الفلسطينية، وباسمها جرى تخريب مجتمعات عربية بأكملها توطيداً لنفوذ المرشد الخميني ثم خامنئي، من العراق إلى سوريا ولبنان واليمن وفلسطين. ونشط الوكلاء باسم فلسطين وقادتهم إيران إلى تشكيل ما سمي “حلقة نار” حول إسرائيل. ودخل هؤلاء منذ ما قبل اغتيال قائد “فيلق القدس” الإيراني قاسم سليماني وبقيادته في ما سيسمى “محور الممانعة” الذي سيطور نظرية “وحدة الساحات” تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني، لينطق باسمها الأمين العام لـ”حزب الله” في لبنان حسن نصرالله الذي ستغتاله إسرائيل لاحقاً، لدى وضع تلك النظرية البائسة موضع التطبيق.

جرى امتحان “حلقة النار” الأول، وربما الأخير، قبل أن يمتد إلى غزة ولبنان واليمن وسوريا والعراق، وانتهى ذلك بكارثة مدوية لا تزال قائمة، فقد دمرت غزة وشرد أهلها وضرب “حزب الله” في قيادته وقواعده و”طائفته” وانكفأت ميليشيات “الحشد” العراقي تحت الضغط وبات اليمن الحوثي مسرحاً للهجمات الجوية، وفي الأثناء خلع نظام بشار الأسد في سوريا وخسرت إيران قلعتها الأساس في الهلال الذي سعت إليه منذ ثورة الخميني.

خسرت إيران الوكلاء أو كادت عندما داهمها الرئيس الأميركي دونالد ترمب بطروحاته الحاسمة ودعوتها إلى التفاوض. ولم يكُن أمام القيادة الإيرانية سوى القبول بالتفاوض في عملية متدرجة بدأت بإشاعة أجواء التملص من الأذرع ووصلت إلى حد نفي أن يكون لها مثل هذه الأذرع.

وفي خطاب ألقاه بعد تلقيه رسالة ترمب (21 مارس/ آذار الماضي) وما قيل عن مهلة شهرين لإنجاز الاتفاق، حاول خامنئي التملص من مسؤوليته عن رعاية الميليشيات التي شكلت بقيادته “محور الممانعة والمقاومة”، فزعم يومها أن “القول بوكلاء لإيران إهانة لهذه الجماعات” وأن “الجمهورية الإسلامية ليست في حاجة إلى وكلاء”. وسبقت ذلك تسريبات عن سحب العسكريين الإيرانيين من اليمن وتنامي الاتهامات بأن إيران تخلت عن “حزب الله” ولم تفعل شيئاً رداً على اغتيال قادته، وسبقتها أيضاً محاولة، لم تدُم طويلاً، للتنصل من مسؤولية طهران عن هجوم حركة “حماس” في “طوفان الأقصى” ثم مسؤوليتها عن اغتيال إسماعيل هنية في قلب طهران.

لم تكُن تصريحات خامنئي ومساعديه الطارئة مقنعة لأحد، بل زادت الشكوك حول طبيعة مهمة الوكلاء الذين ما نشأوا للدفاع عن قضية فلسطينية محقة، بقدر ما تأسسوا ليكونوا جبهة متقدمة للدفاع عن مصالح نظام الملالي، في حالي التوسع والانكفاء إلى داخل حدود بلاد فارس.

وحاول خامنئي خلال خطاباته الأخيرة تصوير “الأذرع” وكأن لهم “قضاياهم النبيلة” التي يدافعون عنها بمعزل عن التمويل والتسليح الإيرانيين، وسعى في الوقت نفسه إلى رد التهمة عنه بالقول إن لأميركا وحدها “وكيلاً” هو إسرائيل هو من يخوض الحروب ويزعزع الاستقرار، لكن خلاصة حرب “الوكلاء” كما يُستنتج من تحليل خامنئي جاءت لمصلحة أميركا، مما يجعل إيران في موقف صعب خلال المفاوضات الراهنة. وعبرت صحيفة “خراسان” الأصولية الإيرانية عن هذا الواقع صراحة عندما كتبت الأسبوع الماضي أن “العدو يريد رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران مقابل استسلامها والتخلي عن مكونات قوتها (المشروع النووي والسلاح الصاروخي والدور الإقليمي) وهذا يعني تكرار السيناريو الليبي”.

ولا تزال إيران، وهي في مواجهة المفاوض الأميركي، في حاجة إلى الوكلاء الذين لا يريد خامنئي “إهانتهم”. ولم تكُن صدفة، عشية عقد جولة روما، أن يتحرك هؤلاء دفعة واحدة على خط التوتر والتوتير الإيراني، فالحوثيون الذين يتلقون مزيداً من الغارات الأميركية حرصوا على إطلاق مزيد من الصواريخ في اتجاه إسرائيل.

والخميس الماضي رفضت “حماس” اقتراحاً إسرائيلياً بوقف النار، معلنة معارضتها أي اتفاق لا يؤدي إلى إنهاء الحرب وانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، وفي توضيحات إضافية لمسؤول الحركة خليل الحية أن “لا تسليم للسلاح ولا للهدن الجزئية، والمقاومة وسلاحها مرتبطان بوجود الاحتلال”. وجاء ذلك بعد أقل من أسبوع على إشاعة جو من التفاؤل حول تقدم المفاوضات من أجل هدنة جديدة في غزة.

وفي اليوم التالي ستصدر مواقف مماثلة لموقف “حماس” عن “حزب الله” في لبنان برفض تولي السلطات الشرعية مسؤوليتها وبالتهديد بأن اليد التي ستمتد إلى سلاح هذا الحزب ستقطع، في وقت أمعنت اليد الإسرائيلية فتكاً فيه وبعناصره من دون أن ينبس ببنت شفة.

وكان ينقص ذلك كي تكتمل حلقة “الردود الإيرانية” اعتراض “الحكومة العراقية” على رفض الرئيس اللبناني تكرار تجربة “الحشد الشعبي” العراقي في لبنان، وهي ملاحظات أدلى بها الرئيس اللبناني رداً على سؤال وما كانت تحتاج فورة الغضب المفاجئة الآتية من بغداد.

ولا تحتسب ردود الأذرع الإيرانية في الإقليم خارج عملية التفاوض الجارية مع الولايات المتحدة، ويعرف الأميركيون ذلك كما تعرفه دول المنطقة، خصوصاً إسرائيل التي قدمت في حروبها منذ “الطوفان” أساساً تفاوضياً حاسماً لترمب، وهي الآن تقف منتظرة تحت مظلته.

ويقول معلق في “هآرتس” الإسرائيلية إن على “نتنياهو أن يفهم في كل ما يتعلق بإيران، أن ترمب قام في الواقع بتعيينه لقيادة الهجوم العسكري، وهو من سيحدد شروط تنفيذ الهجوم”، وبهذا المعنى يمكن إطلاق صفة وكيل على إسرائيل، لكنه جزء متكامل من مشروع ينسجم في قواه وتطلعاته، بينما الوكلاء الإيرانيون يبقون عرضة لدفع الثمن والمساومة عليهم لدى طرح الصفقة الكبرى.

نقلا عن اندبندنت عربية

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى