أهم الأخبارمقالات

حرب “حزب الله” الأعمق في لبنان

 

وليد فارس

خلال الأسبوع الماضي تركزت أنظار كثر في الشرق الأوسط، ولفت انتباه عديدين في الغرب إلى الموقف مما بات معروفاً بـ”الجبهة الشمالية” في إسرائيل، و”جبهة الجنوب” بالنسبة إلى “حزب الله”. والسؤال الأكثر تداولاً كان، ولا يزال، حول “متى” يدخل الحزب الحرب، ليساند “حماس” ضد إسرائيل، ولكن قلائل ركزوا على “كيف” سيخوضها هذا الحزب المسلح ضد عدوه العبري، فيفهم الرأي العام الـ”متى”، لأن الوسيلة ستحدد الوقت، وليس العكس.

التحضير الإقليمي

منذ غزوة النقب “الحماسية” الدموية واندلاع حرب إسرائيل التدميرية في غزة، لا يزال المحللون يفكون ألغازاً عديدة، ومن أبرزها القرار الإقليمي الأعلى، بالتالي التحضير الإقليمي العملاني، وانطلاقاً من ذلك دور الفصائل وخططها. وقد خرج خطاب سريع منذ بداية الحرب من كل العواصم المعنية بدعم “حماس”، يجزم أنه لا علاقة لكل قيادات “الساحات” والقيادة الإقليمية في طهران بقرار العملية “الحماسية” على “الكيان الصهيوني”. وبالطبع تستبعد الاستخبارات الغربية هذه “التأكيدات الغريبة” التي تتناقض مع كل التقارير الأمنية والدفاعية منذ عقود، وكانت لجان الكونغرس قد راجعتها مراراً لسنوات، والوثائق التي تحسم القرارات التسلسلية من قيادة “الباسداران” (الحرس الثوري الإيراني) إلى الفصائل موجودة في الأرشيف العام للدولة الأميركية. الخلاصة في واشنطن استناداً على ما أنتجته المكاتب الحكومية ولجان الكونغرس لعقدين أن “من يدفع يأمر”، بالتالي طهران التي تدفع وطهران التي تأمر. وهذا يطبق ليس فقط على “حماس”، ولكن بخاصة على “حزب الله”. لذا، في نظر المتخصصين، فالحزب ليس فقط كان على علم، ولكن قد خطط لدوره في هذه الحرب، وهو دور إقليمي من ناحية، لكن ساحته الأساسية تبقى لبنان، حيث ولد وتطور وسيطر. فما استراتيجية الميليشيات المؤيدة لإيران داخل لبنان حيال الحرب مع إسرائيل؟

مسؤولية إيران

جاء في خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله أنه يجزم أن “القيادة الإيرانية في طهران لم تكن على علم ولم تشارك في تخطيط غزوة النقب”، بالتالي هي ليست مسؤولة عن مجزرة المدنيين الإسرائيليين.

 

ما الأسلحة التي يمتلكها “حزب الله” اللبناني؟
لماذا شدد نصر الله على فك الارتباط بين عملية “حماس” والقيادة في طهران؟ الإجابة بسيطة: رفع المسؤولية عن “الجمهورية الإسلامية”، ولو أن الغرب لم يصدق، هي لحماية النظام من توجيه ضربة انتقامية إسرائيلية، قد تكون أسهل إذا تم الاعتراف بمسؤولية إيران، وتكون أصعب إذا لم تكن، ولكن الأهم هو امتناع أميركا عن تبرير أية ضربة إذا ثبتت تهمة ضلوع طهران. فالقوة الأميركية أخطر على النظام من غارات إسرائيلية. وما هو صحيح لإيران، هو أيضاً صحيح لموقع الحزب في لبنان. فإذا استهدفت إيران مباشرة تسقط الحسابات الأميركية حيال الحزب ويضحى لبنان ساحة مواجهة “قوى الممانعة” مع إسرائيل وأميركا. لذا، فحسابات الحزب دقيقة للغاية في تموقعه الداخلي، أي على أرض “الجمهورية الإسلامية”. فهو يريد أن يبقى مواجهاً لإسرائيل، ولكن أن يفعل ذلك دفاعياً، وليس هجومياً. فإذا أعلن حرباً رسمية تأتيه الضربات، ولكن إن تأنى واستمر دفاعياً، يستمر في التقاط ورقة الحرب، أي إعلان الحرب عندما يكون “مستعداً” وعندما تأمر طهران بذلك.

الجبهة الداخلية

يتبين من المعادلة التي رسمها الحزب لتموقعه ومن تصريحات وخطابات قيادته، أنه يجهد على جبهتين، جبهة خارجية يلعبها كالبيانو، أي بالتنسيق مع إيران، وبموقع دفاعي، وجبهة داخلية في لبنان يلعبها بمفرده ويتحكم بها، إذ عندما يعلن الحزب أنه في موقع دفاعي تجاه إسرائيل وأميركا سيتمكن من استفراد الداخل بشكل أسهل. فاذا خاض معركة هجومية مع إسرائيل، ستضعف قدراته على مواجهة معارضته الداخلية، بل حتى يخشى خروج مناطق عن سيطرته كلياً، بخاصة إذا قرر “عدوه” أن يدعم قوى داخل لبنان ضده. فالحزب لا يمكن أن يواجه خصمين معاً، وأن يقاتل على جبهتين. فعليه أن يختار لمن الأولوية. ومن خطابه يفهم أن الخطاب العلني سيكون موجهاً للعدو الخارجي، بينما عمله الميداني قد يوجهه ضد العدو الداخلي، وهو الأضعف، ولكن هذه المعارضة فقط حتى تقرر طهران أن تدفع بكل ميليشياتها إلى المعركة مع إسرائيل أم تكتفي بما يجري في غزة؟ هذا بيد القيادة الإيرانية.

أهداف الداخل

أهداف الداخل اللبناني عدة، وأشكال مواجهتها مختلفة، وقد تتلخص كما يلي:

الاستمرار بإمساك القرار الحكومي ومؤسساته وقواته العسكرية بيد من حديد، وبخاصة التأكد من أن قيادة الجيش اللبناني، ولا سيما الأجهزة الاستخباراتية، مضبوطة بشكل كامل.

الضغط على قوى المعارضة بشكل حديدي، وإحداث انقسامات داخلها، وإضعافها، وشراء بعضها، وترويض إعلامها، وتهديد كوادرها.

أما الأهم فهو استمرار خرق الحزب المناطق المناهضة وإقامة مجموعات له في عمقها لتتمكن من شلها عندما تأتي أوامر طهران بفتح الجبهة مع إسرائيل.

والخلاصة أن الحزب سيستفيد من مرحلة تسخين الجبهة “المضبوط” مع العدو الخارجي حتى إلغاء العدو الخارجي نهائياً، كي لا يطعن في الظهر، ولكن ما هو غير معروف هو طوال هذه الفترة المتأرجحة، إذ إن ثلاثة تطورات قد تنهيها، إما أمر من إيران لدخول الحرب، وإما ضربة استباقية إسرائيلية، وإما انهيار داخلي لبناني يؤدي إلى انتفاضة ضد الحزب.

إذاً، المعادلة الآن يتحكم فيها الحزب مرحلياً حتى انتهائها، ولا نعرف عن يد من ستنتهي.

نقلا عن اندبندنت عربية

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى