
حتميه الانهيار في ايران
المهندس حسين علي الأحوازي
غالبًا ما تُستخدم عبارة “السمكة تتعفن من الرأس” للإشارة إلى أن المشاكل في بلد أو نظام تنشأ عادةً من قيادته. في سياق التنوع العرقي والفصل العنصري تجاه العرب والأتراك والبلوش والتركمان والكرد، يمكن تطبيق هذه العبارة لتحليل كيف ساهم فشل القيادة في تصنيف العرقيات المختلفة، وتقسيم الثروة، وعدم مشاركتهم في صنع القرار والتنمية، وتجهيلهم المستمر، وحذفهم من خلال الخطط (السيطرة النوعية الاجتماعية)، في تزايد الانقسامات العرقية وسوء الإدارة السياسية، مما أدى إلى حتمية تفكك إيران.
### التنوع العرقي والفصل العنصري في إيران
إيران دولة متعددة الأعراق تتألف من خمسة أعراق رئيسية (الأتراك والعرب والبلوش والتركمان والكرد)، بالإضافة إلى سكان من أصول بولندية وهندية وأرمنية وجورجية وآشورية وهزارة ومغولية ومجموعات عرقية أخرى أصغر. في حين كان من المفترض أن يكون هذا التنوع مصدر قوة وازدهار، إلا أن العقلية الحاكمة للفرس حولته إلى قوة استغلالية لتحقيق مصالحهم وأحلامهم. مع مرور الوقت، أصبح هذا التنوع مصدرًا للتوتر.
فشلت القيادة الحاكمة، خاصة منذ بداية التسعينيات، في إدارة هذا التنوع بشكل فعال بعد خروج إيران من الحرب الإيرانية العراقية. بدلًا من تعزيز الوحدة، بدأت النخب السياسية في استغلال الانقسامات العرقية لتوطيد سلطتها. النظام الحاكم لم يتجه نحو إعمار المناطق التي تضررت من الحرب واستعادة عافيتها، بل ترك مدن العرب في إيران مدمرة طوال هذه المدة، وهجر أهلها، وحرمهم من فرص العمل، بينما فتح أبواب الهجرة واستقطاب العمالة في المحافظات الفارسية. أما الأتراك، فقد شكلوا دولة فتية في باكو، وحلموا بالوحدة مع إخوانهم في الجانب الآخر من نهر أراس، الذين يشكلون ثلثي سكان أذربيجان. تعاملت إيران مع أرمينيا على حساب مصالح الأتراك، مما زاد من توتر العلاقات. أما البلوش، فقد عانوا من الحرمان والجوع والفقر، وهي عوامل استمر النظام في تفعيلها، مما جعلهم يعيشون في ظروف قاسية. أما الكرد، فقد رأوا في نموذج كردستان العراق والمكاسب التي حققها هذا الشعب من خلال نضاله مشروعًا يستحق التضحية من أجله.
الفصل والنزعة القومية المتصاعدة
مع استمرار ضعف السلطة في طهران وزيادة الوعي الجماهيري في جميع أنحاء ما يُسمى بإيران، أصبح الفصل العرقي أكثر وضوحًا ونضجًا. بدأت النخب السياسية في إعطاء الأولوية للتخلص من القهر الموجود:
1. **الفوارق الاقتصادية**: المناطق التي يتركز فيها غير الفرس تعاني من الفقر والتهميش، بينما تتركز الثروة في مدن مثل طهران وأصفهان وشيراز وهمدان، مما أدى إلى استياء متزايد ودفع الشعوب المهمشة نحو المطالبة بتفكيكي هذه الجغرافيا المصطنعه .
2. **الانقسامات الثقافية والسياسية**: فشل النظام في إنشاء هوية جامعة لكل هذه الشعوب، مما سمح للقوميات المختلفة بالازدهار تحت هذه الهوية والحفاظ على تمايزها الثقافي واللغوي والتاريخي، مما زاد من العداء بين المجموعات العرقية.
3. **الفصل في المؤسسات**: أصبح الفصل في الوظائف والمناصب أساس السلطة في إيران، مما أدى إلى عدم الثقة بين المجموعات العرقية الأخرى.
التفكيك .
فشلت القيادة الحاكمة في معالجة هذه الانقسامات والأمراض المزمنة والمتزايدة. بدلًا من العمل على معالجتها، اتبعت النخب السياسية أجنداتها الخاصة، متجاهلة المشاكل الداخلية ومركزة على الصراعات خارج الحدود. مع التدهور الاقتصادي والترويج للقومية الفارسية، زادت المشاعر التخلص من هذه الخريطه المصطنعه بين العرب والأتراك والكرد والبلوش. غياب الإصلاحات الديمقراطية وتركيز السلطة في أيدي عدد قليل من القادة قوض الثقة في النظام.
4- **الفشل في معالجة عدم المساواة الاقتصادية**: فشلت الحكومة في معالجة النظرة الدونية تجاه الشعوب الأخرى، مما غذى المشاعر الانفصالية.
دور العوامل الخارجية
في حين أن الانقسامات الداخلية وفشل القيادة كانت الدوافع الرئيسية لحتمية الانهيار، لعبت العوامل الخارجية دورًا أيضًا. التغيرات الجيوسياسية العالمية وتقارب العرب مع إسرائيل بقيادة أمريكا خلق بيئة يمكن أن تزدهر فيها الحركات القومية. بالإضافة إلى ذلك، أدى نهج المجتمع الدولي تجاه إيران ودورها التخريبي في المنطقة إلى زيادة الضغوط الخارجية.
الخلاصة
إن انهيار إيران حتمية تاريخية لا تقبل الشك، وذلك بسبب فشل القيادة في إدارة التنوع العرقي. تصف العبارة “السمكة تتعفن من الرأس” بشكل مناسب كيف أدت تصرفات (أو تقاعس) النخب السياسية في الحفاظ على الآخرين من هذه الشعوب، واستمرارها في تضعيفهم وطردهم من صنع القرار، وانتشار الفساد في قمة الهرم، والإهمال المستمر لتصحيح الأوضاع، إلى استغلال الانقسامات العرقية والفشل في معالجة الفوارق الاقتصادية، مما مهد الطريق لحتمية الانهيار وتخلص الشعوب من هذه الحالة التي استمرت مئة عام.
عاشت الأحواز حرة عربية.