
تقرير تاريخي يكشف كيف تآمرت بريطانيا على استقلال الأحواز وإسقاط الشيخ خزعل الكعبي
كشف تقرير نشرته جريدة باريس تايمز في 22 يناير/كانون الثاني 1928، عن تفاصيل دور بريطانيا في احتلال طهران لدولة الأحواز العربية، وكيف ساعدت القوى الاستعمارية في تمكين شاه إيران رضا بهلوي من فرض سيطرته على دولة الأحواز العربية، وتفاصيل ثورة الشعب العربي الأحوازي ضد الاحتلال الإيراني. التقرير تسلط الضوء على الملابسات السياسية والاقتصادية التي رافقت هذه الأحداث، وتأثيراتها على المنطقة في تلك الحقبة.
تاريخ الاحتلال:
بحلول عام 1925، كانت الأحواز، التي كانت تتمتع بالاستقلال طيلة الأجيال السابقة، قد أصبحت تحت الاحتلال الإيراني. في هذا العام، غزا رضا شاه بهلوي جيش المحمرة وسحق المقاومة الأحوازية بشكل مفاجئ، مما أدى إلى استيلاء إيران على الأراضي الأحوازية. ومنذ ذلك الحين، بدأت مرحلة جديدة من الاحتلال الإيراني، الذي تدعمه القوى الاستعمارية مثل بريطانيا.
دور بريطانيا في الاحتلال:
يبرز التقرير أن بريطانيا كانت تلعب دورا محوريا في هذا الاحتلال، حيث ساعدت إيران في الاستيلاء على الأحواز، وذلك في إطار سياستها الاستعمارية التي كانت تهدف إلى ضمان مصالحها في المنطقة، خصوصا في ما يتعلق بالموارد الطبيعية.
كان النفط الأحوازي أحد أهم العوامل الاقتصادية التي جعلت بريطانيا حريصة على دعم الاحتلال الإيراني، حيث كانت شركة النفط الأنجلو-فارسية تسيطر على احتياطات النفط الهائلة في الأحواز، مما جعل هذا الأراضي مهما استراتيجيا.
ويقول التقرير إن عدم رغبة بريطانيا في تحمل أي مسؤوليات إضافية في هذا الجزء من العالم سبب حقيقة أن الأحواز لم تندمج في مملكة العراق في نهاية الحرب، ومن المنطقي ان المنطقة التي كان يحكمها شيخ المحمرة “الشيخ خزعل الكعبي” ليس لها أي علاقة بالإمبراطورية الفارسية على الإطلاق”.
وأضاف التقرير ” لو أن أفكار العقيد البريطاني توماس إدوارد لورنس قد تم اتباعاها من قبل أولئك الذين حكموا بريطانيا آنذاك، لكانت الاحواز قد شكلتك جزءا من مملكة عربية جديدة وعظيمة إلى جانب سوريا وفلسطين والعراق وشبه الجزيرة العربية”.
الاعتقال والمصير المؤلم لشيخ المحمرة:
التقرير يسلط الضوء أيضا على مصير الشيخ خزعل الكعبي، حاكم الأحواز آنذاك، الذي تم اعتقاله من قبل السلطات الإيرانية في طهران على الرغم من الوعود التي قدمها الشاه له. لم تكن بريطانيا مستعدة لتقديم الدعم الكافي لحماية الشعب الأحوازي أو لمساعدة الشيخ خزعل، إذ كانت تفضل ترك المنطقة تحت الهيمنة الإيرانية لتفادي المزيد من الفوضى في تلك الفترة.
وأوضح التقرير ” ربما يكون البريطانيون قد سئموا للغاية من المشاحنات التي لانهاية لها في ذلك الجزء من العالم بحيث لا يمكنهم بذل جهود لصالح اتباعهم لكن أجازوا للشيخ خزعل الكعبي بالبقاء في ما يشبه السجن فعليا، ولم يحاولوا حماية عرب الأحواز، تبدو نهاية الفوضى.. فوضى العراق والدين والنفط بعيدة بالفعل”.
ثورة الشعب الأحوازي:
رغم أن ثورة الشعب الأحوازي ضد الاحتلال الإيراني في بداية القرن العشرين تبدو وكأنها قد سحقت، إلا أن التقرير يشير إلى أن الحكومة في طهران كانت لا تزال في مواجهة مع رفض الشعب الأحوازي للسيادة الفارسية. كان الشعب الأحوازي يرفض الخضوع لحكم الفرس، وكان يرى أن الإيرانيين ينظرون إليهم كشعب من “المنحطين” والمهرطقين، وهو ما يعكس التوترات العرقية والدينية بين الشعبين.
ويقول التقرير ” انتفاضة العرب في عربستان “الاحواز” ضد الحكومة الفارسية تبدو حنة اللحظة كإنها سحقت، لكن هذه ليست النهاية وهذا ما ترفه الحكومة في طهران”.
النفط والأبعاد الاقتصادية:
أحد الأسباب التي جعلت بريطانيا تردد في دعم استقلال الأحواز هو أهمية الموارد النفطية في المنطقة. كانت حقول النفط في الأحواز من أغنى الحقول في العالم، وكانت شركة النفط الأنجلو-فارسية تتحكم في هذه الثروة بشكل شبه كامل. أي محاولة لفصل الأحواز عن إيران كانت ستعتبر تهديدا لمصالح بريطانيا الاقتصادية في المنطقة.
ويقول التقرير” أحد الأسباب التي تجل إنجلترا تتردد دائما فيما يتعلق بالأحواز هو أن شركة النفط الأنجلو-فارسية هي الديكتاتور الاقتصادي للبلاد. تعد حقول النفط في الأحواز ممن بين اثرى الحقول في العالم، وأي محاولة لفصل هذه البلاد عن بلاد فارس سوف يتم التامل بها باعتبارها دوانا مهينا”.
الآثار المستقبلية:
وفقا للتقرير، كان يبدو أن العرب في الأحواز محكوم عليهم بالبقاء في اتحاد قسري مع طهران طالما أن مصالح القوى الكبرى مثل بريطانيا تتحقق في المنطقة. كان من المتوقع أن تظل الثورات في الأحواز حتمية طالما استمرت هذه الهيمنة، مما يفتح المجال لمزيد من الاضطرابات في المستقبل.
حيث أوضح التقرير ” في الواقع يبدو ان العرب في الجنوب الغربي محكوم عليهم بفترة طويلة من الاتحاد القسري مع بلاد فارس طالما أن هذا الشرط يتحقق، وربما تكون الثورات حتمية”.
يلخص التقرير أن الاحتلال الإيراني للأحواز، بدعم من القوى الاستعمارية مثل بريطانيا، كان حدثا مصيريا في تاريخ المنطقة. لا تزال هذه الفترة تشكل جزءا مهما من الذاكرة السياسية للشعب الأحوازي، الذي يستمر في مقاومتهم للهيمنة الإيرانية. ومن المهم أن يستمر البحث والتوثيق لهذه الفترة لفهم أبعاد هذا الصراع المستمر.