تصويب البوصلة نحو “الاحتلال الإيراني”
سناء الجاك
لم يجد رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون بعد إفلاسه السياسي، ومحاولته إنقاذ ما تبقى من ولايته، سوى الدعوة إلى طاولة حوار لبحث “الإستراتيجية الدفاعية”، متذاكيا على المجتمعين الدولي والعربي من خلال الإيحاء بأن الأمل لا يزال موجودا بإمكانية عودة لبنان إلى شرعية هذين المجتمعين عبر حل مشكلة السلاح الميليشيوي الخارج عن الدولة، من دون أن يسمي “حزب الله” مباشرة.
وإذ يعتبر عون ومستشاروه، وعلى رأسهم صهره ورئيس “التيار الوطني الحر” والمرشح لخلافة عمه جبران باسيل أن هذه الدعوة هي السبيل الأخير له ولصهره لتعويم الحضور السياسي للتيار المتحالف مع “حزب الله” والخاسر شعبيته ، أولا لغرقه في الفساد، وثانيا لفشله في إدارة البلاد.
إلا أن الحقيقة في مكان آخر، لا علاقة لها بعقم هذه الدعوة، على الرغم من ترحيب من يدور في فلك ما يعرف بـ”محور الممانعة” بها، مقابل إعلان القوى السياسية غير المنضوية في المحور رفض تلبيتها.
الحقيقة أن الحوار لبحث “استراتيجية دفاعية” صار من طراز قديم، تجاوزه الزمن. والمرحلة الحرجة التي إطاحت بالكيان اللبناني، دولة ومؤسسات، تتطلب ما هو أكثر بكثير من مواضيع تُطرح لتحريك الركود السياسي ببعض المماكحات المثيرة للجدل، ذلك أن المطلوب لإنقاذ لبنان، اليوم، هو رفع “الاحتلال الإيراني” بتوحيد جهود السياديين الحقيقيين، وليس تجار السياسة عشية الانتخابات المرتقبة في مايو المقبل، وذلك من دون تجميل أو مواربة أو مراعاة للحزب الحاكم بإمرة أجندة ولاية الفقيه ومشاريعه التوسعية والتخريبية.
أي حديث آخر لمسؤول لبناني عن إستراتيجات دفاعية وثلاثيات خشبية فارغة من المضمون وقائمة على معادلة “جيش وشعب ومقاومة” هو حديث ميت بالفعل.
والسبب أن أهم بنود هذه الأجندة قضت بإنتهاك أمان الشعب وجيشه، وأطاحت بإستقراره المعيشي والإقتصادي والإجتماعي، بمشاركة أوغاد المنظومة السياسية والإقتصادية بالتكافل والتضامن، الذين يتراشقون بالإتهامات والمسؤوليات وفق متطلبات الشعبوية وإذكاء قرف الغرائزية الطائفية ليلموا جمهوراً بدأ ينبذهم.
أما إستخدام لفظة “المقاومة” فهو بات يعكس قمة الخواء. لأن هذه اللفظة في خطابات “حزب الله”، أُفرغت من كل المعاني الممكن أن تحتويها. هي قناع لفظي يستخدمه الحزب، يغطي به وجهه الحقيقي وجرائمه بحق كل من يمد يده بالسوء إليهم، في لبنان أو حيثما كان.
فـ”المقاومة” التي يدعي “حزب الله” إحتكارها ويوزع شهادات في الوطنية والعروبة والإيمان بموجبها، وتحت شعارها يُخوِّن من يواجه الأجندة الإيرانية، تحولت إلى أداة لا وظيفة لها إلا تنفيذ أوامر أصحاب الأجندة القاضية بتخريب العالم العربي على أمل أن تصبح إيران القوة الإقليمية الوحيدة التي لا تجد الدول الكبرى غيرها لمحاورتها.
وفي حين تملك إيران أدوات أخرى غير أذرعها الميليشيوية لتتعامل مع المجتمعين العربي والدولي، سواء من خلال الدبلوماسية التي تظهر لطفها وإيجابياتها هذه الأيام، أو من خلال تقديم التنازلات في كواليس مفاوضاتها، لا يملك الحزب في قاموسه إلا “المقاومة” لمنطق الحياة ولفرص اللبنانيين بحياة كريمة.
بالتالي، ها هو يعتمد على سلوك يقضي بالتطرف الحاد، كما هي الديكتاتوريات في مرحلة الخوف من إنحسارها نتيجة هزائمها وإفلاسها وخواء شعائرها وعناوينها. ليبرز عنوان واحد هو جر اللبنانيين إلى انتحار جماعي.
فقد بات واضحا أن “حزب الله” بالكاد يحاول الصمود، حيث سبق له أن تورط عسكريا في بحث عن الطريق التي تؤدي إلى كل مكان إلا القدس والدفاع عن القضية الفلسطينية.
بالتأكيد هو لم يعد يستطيع أن يواجه “عدوه الأساسي” في معارك جديدة ومواجهات عسكرية مع إسرائيل، لذا يستعيض عنها بحروب قوامها الشتائم والتضليل والتعمية على جرائمه من خلال تكبير الحجر الذي يرشقه على من يستعطي عداوتهم ليعظم دوره، فيسقط الحجر على رأسه ورؤوس الرهائن الذين يعتقلهم في لبنان، ولا يوفر الذين أفلتوا من شياطينه ليعيدهم، إذا إستطاع، ويخضعهم لطاعته بفعل تجويعهم وتهديدهم بلقمة عيشهم وإذلالهم.
من هنا تبدو دعوة عون، الحليف اللدود للحزب، حتى تاريخه، والباحث عن سبل كفيلة بإنقاذ مستقبل صهره السياسي، فارغة قلبا وقالبا، لأن المطلوب إنقاذ لبنان في المرحلة الراهنة. ولا سبيل لذلك إلا بالإعلان جهارا ونهارا عن ضرورة تصويب البوصلة لمقاومة “الاحتلال الإيراني” الراعي للمنظومة السياسية المدجنة والعاجزة عن إي موقف وطني إنقاذي، والمكتفية بالتصارع على حصصها من جبنة السلطة الفاسدة.
سكاي نيوز عربية