مقالات

تدخلات إيران وتهديدها لأمن المنطقة

سيث فرانتزمان

أكثر ما ميّز حرب غزة الرابعة كانت صور تلك الصواريخ المتلألئة في سماء الليل. فبينما يجري الطرفان تقييماً وسط وقف إطلاق النار، ستقفز حتماً البيانات أمام المخططين العسكريين في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، وهي أن «حماس» أطلقت أكثر من 4000 صاروخ وقذيفة في 11 يوماً من القتال.
يعد هذا الرقم مرتفعاً في معدل إطلاق النار مقارنة بحرب غزة عام 2014، عندما أطلقت «حماس» 4500 قذيفة في غضون 50 يوماً. وما يثير القلق هو تطور جودة ترسانة «حماس» العسكرية. ففي الصراع الأخير باتت «حماس» قادرة على إطلاق صواريخ إلى قلب إسرائيل أكثر من ذي قبل، كما استخدمت ما يسمى «الطائرات الانتحارية من دون طيار» التي يمكن توجيهها إلى أهداف محددة، على عكس صواريخها.
لم يكن ذلك سوى جزء من نمط تطور في المنطقة، حيث استخدم المتمردون الحوثيون في اليمن صواريخ وطائرات من دون طيار ضد المملكة العربية السعودية، وكذلك الميليشيات ذات الهوى الإيراني في العراق ضد القوات الأميركية. وينتمي المخزون الأكبر والأكثر تقدماً إلى «حزب الله» اللبناني، الذي يتضمن صواريخ دقيقة التوجيه، بالإضافة إلى صواريخ قد يتم إطلاقها يوماً ما من طائرات بلا طيار بعيدة المدى.
تشترك كل هذه الترسانات الموجودة بحوزة جهات غير حكومية فاعلة في أصل واحد هو إيران. ففي السنوات الأخيرة، زوّدت الجمهورية الإسلامية هذه الجماعات الأعضاء الرئيسيين في شبكة الوكلاء وشركاء طهران في المنطقة بعشرات الآلاف من الصواريخ والطائرات من دون طيار، فضلاً عن التكنولوجيا اللازمة لبنائها. خلال هذه العملية، تغيّرت ملامح الحرب بشكل جذري في الشرق الأوسط.
كان استخدام الصواريخ في الحرب من اختصاص الدول – يتذكر الإسرائيليون صواريخ «سكود» المنطلقة من العراق في عهد صدام حسين في عام 1991 – لأنها هي وحدها التي تستطيع تحمل تكلفة مكونات الصواريخ المعقدة وإنتاجها. واستناداً إلى التكنولوجيا الروسية والصينية والكورية الشمالية، انتشرت الصواريخ مثل «سكود» و«غراد» و«كاتيوشا» في جميع أنحاء العالم، بعد إدخالها في منتصف القرن الماضي.
كانت إيران مستفيداً رئيسياً، حيث قامت ببناء برنامج صاروخي وصواريخ باليستية، رغم خضوعها للعقوبات، حتى إنها وسّعت مدى بعض صواريخها إلى أكثر من 1000 كيلومتر. كما أصبحت أكثر دقة، فبعد أن قتلت طائرة أميركية بلا طيار القائد الإيراني قاسم سليماني في بداية عام 2020، ردت الجمهورية الإسلامية باستهداف قاعدة أميركية في العراق. وحتى وقت قريب، لم يكن لدى الجماعات المتطرفة والإرهابية صواريخ بعيدة المدى. ففي عام 2001، عندما بدأت «حماس» في استخدام الصواريخ، المعروفة باسم صواريخ «القسام»، كان مدى هذه الصواريخ يبلغ عدة كيلومترات، لكن المساعدة الإيرانية التي قدمها «الحرس الثوري» الإيراني غيّرت قواعد اللعبة. فـ«حماس» باتت الآن تستهدف تل أبيب بشكل منتظم رغم أنها تبعد 66 كيلومتراً عن غزة، وتزعم أن صاروخ «عياش» يمكن أن يصل مداه إلى 250 كيلومتراً.
ويعتقد مسؤولون إسرائيليون أنَّ «حماس» تمتلك الآن نحو 15 ألف صاروخ، جرى تهريب بعضها من إيران، ولكن معظمها من صنع غزة بمعرفة إيرانية. ويُعتقد أن «حزب الله» وسّع ترسانته من نحو 15 ألف صاروخ في عام 2006 إلى أكثر من 130 ألف صاروخ، رغم المحاولات الإسرائيلية لاعتراض خط إمداد «الحرس الثوري» الإيراني عبر سوريا.
تم العثور على مكونات وأجهزة قدمتها إيران في صواريخ وطائرات بلا طيار أطلقها الحوثيون على المملكة العربية السعودية. كما اعترضت البحرية الأميركية شحنات أسلحة إيرانية متجهة إلى اليمن.
أيضاً تمتلك الميليشيات العراقية التابعة لإيران الخط المباشر إلى مصانع الذخيرة التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني بفضل سهولة اختراق الحدود مع إيران. وتتمتع العديد من هذه المجموعات بميزة إضافية تتمثل في رعاية الدولة؛ فهي جزء من وحدات «الحشد الشعبي» الذي جرى دمجه كقوة شبه عسكرية حكومية في عام 2018. وفي العام التالي، تمكنوا من الحصول على صواريخ وطائرات بلا طيار لاستهداف المنشآت الأميركية الموجودة داخل قواعد الجيش العراقي.
من خلال هذه المجموعات، باتت الصواريخ الإيرانية تهدد الآن مساحة 5000 كيلومتر من الشرق الأوسط، من لبنان وسوريا، عبر العراق وصولاً إلى اليمن ومضيق باب المندب. ضمن نطاق هذه الترسانة تقع إسرائيل ومعظم الدول العربية المتحالفة مع الغرب في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى عدد من المواقع العسكرية الأميركية، ناهيك عن أكثر طرق التجارة حيوية في العالم.
إذا كانت حرب غزة قد أظهرت التهديد المتزايد للصواريخ الإيرانية، فقد أظهر رد إسرائيل على هجمات «حماس» صعوبة الدفاع ضدها. ويعني الحجم الهائل للقذائف الواردة أن بعضها قد اجتاز نظام القبة الحديدية للدفاع الصاروخي ليقتل 12 إسرائيلياً. وبالنسبة للمخططين العسكريين في جميع أنحاء الشرق الأوسط، فهذه نقطة بيانات مزعجة أخرى.
* الشرق الأوسط بالاتفاق مع «بلومبرغ»

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى