تحرير القدس وقد تحول إلى وسيلة للتضليل
فاروق يوسف
مَن قال إن حزب الله يرغب في شن حرب على إسرائيل؟ كل تلك المناوشات الخفيفة على الحدود هي أمر نبالغ إلى درجة الجنون إذا ما رأينا فيه تمهيدا لحرب جديدة سيشهدها لبنان المتهالك من غير حروب. صحيح أن لبنان لا يملك حتى إرادة الدفاع عن النفس بسبب هيمنة حزب الله على مقدراته غير أن الحزب نفسه لا يقوى على جره إلى حرب جديدة لا خوفا عليه فهو بالنسبة إلى الحزب لا يعني شيئا في مقابل الخضوع لتعليمات الولي الفقيه وتنفيذ أوامه، ولكن الحزب نفسه يعرف أن دمه سيضيع بين القبائل كما يُقال إن أقدم على خطوة من ذلك النوع وأن الجميع وليست إسرائيل وحدها سيقومون باجتثاثه من جذوره في ظل تعاطف غربي غير مسبوق مع الدولة العبرية.
لن تتمكن إيران من الدفاع عن حزب الله إذا ما تسبب في اندلاع حرب جديدة. ذلك لأنها غير مستعدة على الإطلاق لا اليوم ولا غدا للدخول في حرب مباشرة ضد الغرب وبالأخص الولايات المتحدة. تلك حرب خاسرة، نتائجها هي أكثر وضوحا مما كان عليه الأمر عام 2006، يوم ألحق حزب الله بنفسه هزيمة كان يمكن تفاديها لو أن قيادته تمتعت بشيء قليل من الحكمة وكانت تقديراته الواقعية صائبة.
أما أن تكون جبهة جنوب لبنان ساخنة دائما بمناسبة أو من غيرها فذلك ما يدخل في حسابات حزب الله عامل إنقاذ من المسؤولية التي يجب عليه تحملها عن تردي الأوضاع الداخلية على المستويين السياسي والاقتصادي.
فبعد أن فشل الحزب في إقناع اللبنانيين بأن يستظلوا بالحماية الإيرانية وجد أن عليه أن يلقنهم درسا مستمرا في الخوف من إمكانية وقوع خطأ في مكان ما، يكون سببا لاشتعال نار حرب، يعرفون مسبقا أنها ستقضي هذه المرة على البلد وليس الدولة وحدها. خوف الشعب له ما يبرره.
ولكن تأملا لا يستغرق إلا وقتا قصيرا للحكاية يمكنه أن يفكك عناصرها ويضع كل واحد منها بمفرده على الطاولة من غير أن يتعرض المرء للتضليل الذي تتسبب به وسائل الدعاية، سواء التابعة لحزب الله أو المعادية له.
كلاهما تميلان إلى الفكرة التي تشد الحزب إلى حلم تحرير القدس. ولا ينتبه الكثيرون في حمى السباق الارتجالي إلى أن ذلك الحلم إنما يتم ترتيب مشاهده وفق رؤية إيرانية، كان الإمام الخميني قد وضعها في أعناق الإيرانيين يوم دعاهم إلى تحرير كربلاء في العراق تمهيدا للذهاب إلى القدس. وعلى أساس تلك الرؤية تم إنشاء فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني والذي تزعمه قاسم سليماني زمنا طويلا قبل أن يقتله الأميركان برفقة أبومهدي المهندس. ترى ما الذي فعله فيلق القدس تنفيذا لرؤية الإمام من أجل تحرير القدس؟
باختصار يمكنني القول إنه احتل أربع دول عربية بعد تدميرها. ولم تجد إيران مانعا في أن يقوم الأميركان بغزو العراق وتحطيم بيئته السياسية والاقتصادية والخدمية سعيا وراء حلم الهيمنة عليه. ولولا سقوط النظام الوطني في العراق بالرغم من تهالكه لما كان في إمكان إيران أن تتمدد في سوريا واليمن ولبنان. كان الشعار الإيراني “الموت لإسرائيل” قد تحول على يد قاسم سليماني إلى “الموت للعرب”.
ذلك لأن فيلق القدس لم يوجه طلقة واحدة في اتجاه إسرائيل ولم يقتل إسرائيليا واحدا فيما كانت الميليشيات التابعة له والتي يتم تزويدها بالأموال والأسلحة الإيرانية قد قتلت مئات الألوف من العرب الذين لم يكونوا أعداء لإيران. لن نتوقف عند حدود تلك المقارنة.
حين دخل حزب الله طرفا في الحرب السورية وعمل على الانحراف بجزء منها طائفيا من خلال عمليات التهجير والتغيير الديموغرافي فإنه كان كلما اقترب بقواعده من الحدود الإسرائيلية أو تسلم شحنات أسلحة إيرانية جديدة يتعرض لضربات عسكرية تحرق معسكراته ومخازن أسلحته حتى لو كانت تلك المخازن في مطار دمشق. لم ترد سوريا ولا إيران ولا حزب الله على تلك الضربات.
لا إيران ولا حزب الله على استعداد للدخول في حرب مع إسرائيل. أما سوريا فلا حسابات لها في الربح والخسارة، ذلك لأنها دولة خسرت كل شيء في صراع سياسي لم يدره نظامها بحكمة.
بعد كل هذا أيمكن أن يكون حزب الله صادقا في حديثه عن تحرير القدس وأن شعار “طوفان الأقصى” يمكن أن يجره إلى حرب، يعرف أنه سيكون مهزوما فيها؟ يكفي أن نعود إلى مرجعيته التاريخية والدينية لنتأكد أنه يستعمل القدس وسيلة للتضليل من أجل الوصول إلى أهدافه في التحول إلى ميليشيا إقليمية تستعملها إيران في تهديد المنطقة مستثنية إسرائيل من ذلك.