بيعة عون للولي الفقيه
محمد الساعد
لم يبقَ إلا أن يزور ميشيل عون الضاحية الجنوبية في بيروت مقبّلاً يدي حسن نصر الله، ولم يتبق له إلا الحج في طريق العذابات الواصل من بلاد فارس مروراً ببغداد والنجف ودمشق وانتهاءً بالضاحية، ولم يبقَ إلا أن نرى عون راكعاً هو وصهره أمام قبر الخميني، وربما نرى قريباً «الجنرال المخلوع» ميشيل عون من داخل كنيسة «مارماما» -أقدم كنيسة مارونية في لبنان- معلناً بيعته لآية الله، وخالعاً بيعته من البطريرك بشارة بطرس «الراعي» للطائفة المارونية.
بالطبع عون لا يمثل كل الطائفة المارونية الكريمة، لكنه يسعى بالنيابة عن حزب الله لخلق عدو جديد لمسيحيي الشرق مستعيناً بعداوة حزب الله لكل ما هو عروبي في الإقليم. حاجة عون وحسن نصر الله إلى عدو أصبحت واضحة، واستعداء الشارع اللبناني على الرياض وتجييش الإعلام والمكونات الثقافية والسياسية لم تعد خافية، وكأن حكام ومثقفي الستينات الذين وجّهوا بندقية عداوتهم للرياض بدلاً من تل أبيب يعودون من جديد.
يفهم حسن نصر الله جيداً أن وظيفته الجديدة ومن خلفه دولة الإهاب هي حماية حدود إسرائيل الشمالية، وهذا يستدعي خلق عدو آخر بدلاً من جيش الدفاع الإسرائيلي الذي أهان «حزب حسن» في كل مغامراته السابقة، هذا العدو يستلزم تسويقه عند عناصره الحزبية، وتشويهه عند حلفائه الداعمين، ولا يمكن أن ينجح الحزب في الاحتفاظ بجيش قوامه مئة ألف مقاتل ويصنع الأسلحة والمتفجرات والمواد الكيماوية بدون حاضن شعبي لبناني عوني.
إذن اليوم وبعد خروج إسرائيل من جنوب لبنان واتفاق الدولة المارقة وعملائها مع الغرب على حماية إسرائيل، لم تعد تل أبيب العدو، بل ستصبح «السعودية» هي العدو الجديد للحزب بدعم من تحالف الأقليات العوني.
«التشيع السياسي» الذي يعتنقه عون وفريقه وولاؤهم للمرجعية الإرهابية وممثلها في لبنان يفتحان أسئلة عديدة عن علاقة هذا التحالف بمستقبل مسيحيي الشرق عموماً الذين عاشوا مستقلين محافظين على مسيحيتهم أكثر من 1400 عام من خروج إمبراطورية الروم من شمال الجزيرة العربية.
عون الذي حذّر ذات يوم من المد الفارسي في لبنان على شريط مسجل، يتراجع اليوم ليس عن لبنانيته فقط، بل وعن مسيحيته المارونية، معتقداً أنه أذكى من الجميع وأن حسن نصر الله سيتركه حاملاً لواء الصليب مرة أخرى.. بل ستكون يا ميشيل عون ذبيحاً لحسن نصر الله متى ما قضى على الجميع وبقيت أنت لوحدك.
عداوة عون الشخصية لسنّة لبنان أعمته عن مسؤوليته التاريخية كرئيس لكل لبنان وليس لبعض لبنان، وهي التي تدفعه للقضاء على لبنان المتعدد، واغتيال اتفاق الطائف المبني على حكومة برلمانية عبر ترويكا رئاسة الجمهورية المارونية، ورئاسة مجلس الوزراء السنيّة، والبرلمان ذي الرئاسة الشيعية، والانقلاب إلى نظام رئاسي يضمن هيمنة تحالف الأقليات على لبنان ونزعه من توافقه.
عقيدة عون المتهورة تسعى للوصول إلى «لبنان شيعي مسيحي» والطلاق مع لبنان «السنّي الشيعي المسيحي الدرزي» كما هو حاله اليوم، لعبة طائفية أكثر منها لعبة سياسية الفكاك منها ذات يوم والإخلال بتوازن قوى الحكم في لبنان ليس في صالح مسيحيي الشرق جميعهم، وأي خلل في هذا النظام سيقود لبنان ومن ورائه الإقليم كله إلى مذبحة كبرى يكون فتيلها عون وقنبلتها حسن نصر الله.
صحيفة عكاظ