بشر عاديون في غزة ولبنان
طوني فرنسيس
«لا نريد أن نكون أبطالاً أكثر، ولا نريد أن نكون ضحايا أكثر، لا نريد أكثر من أن نكون بشراً عاديين». (من كلمة محمود درويش بمناسبة منحه الدكتوراه الفخرية في جامعة بير زيت عام 1996).
حرب إبادة. تطهير عرقي. مجزرة… كل التسميات تجوز في وصف ما يجري للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ومثله ما يطول الفلسطينيين في القدس والضفة ولو بوحشية أقل. لا شيء يُفاجئ في كل ذلك. تاريخ يتكرّر ما دامت شروط الصراع هي نفسها، وما لم يتمّ ابتداع وسائل وآليات نضال جديدة تستفيد من تجارب الماضي، فتطوّرها وتعصرنها بما يواكب العصر.
لا يمكن الاستمرار في حالة الانقسام الفلسطيني الراهنة. انقسام في الوطن المسلوب وعليه، وانقسام إلى حدّ التناحر حول البرنامج والهدف، وصراع على سلطة صارت تحت أنقاض المباني وفي قبضة الزنازين وسجّانيها. ولا يمكن السير في مشروع وطني في حجم المشروع الوطني الفلسطيني وفرادته في القرن الواحد والعشرين، بتحالفات إقليمية لا ترى في فلسطين أكثر من منصة أو ورقة تستعمل في الحسابات الخاصة لهذا الطرف أو ذاك.
لا إيران ولا تركيا هما من سيحتضن الفلسطيني عندما سيحين موعد التسوية بعد الدم والدموع. ولا بديل لفلسطين عن عمقها العربي، السعودي والخليجي والمصري واللبناني والسوري والأردني. ألا يثير التساؤل تفجير الحرب في اللحظة التي وضعت فيها السعودية بند الدولة الفلسطينية والمبادرة العربية على طاولة المفاوضات مع أميركا، وكشرط أساسي للسلام في المنطقة؟
الإيرانيون و»حماس» اعتبروا معركة 7 أكتوبر نسفاً للتطبيع، والمقصود ليس بحاجة لشرح طويل. إيران تخوض معركتها في غزة بأبناء غزة وليس من أجلهم وهكذا تفعل تركيا، وهما الدولتان الأكثر صخباً في تبنّيهما النضال الفلسطيني. لكن إيران وعلى لسان المرشد لا ترى في عملية «طوفان الأقصى» ما تهدف إليه. «الهدف الحقيقي لطوفان الأقصى (يقول خامنئي) كان القضاء على النفوذ الأميركي في المنطقة»… أمّا «نظام الجمهورية الإسلامية فلا يدعو إلى إلقاء الصهاينة واليهود في البحر». ليس الشرح الإيراني بحاجة إلى شرح.
إيران تبحث عن نفوذها وليس عن شيء آخر. في المعمعة تأخذ على تركيا خطابها الفارغ في دعم الفلسطينيين. موقع الإمام الخامنئي حرص في عزّ المزايدات في دعم الشعب المقهور على نشر إحصائيات حول شراكات دول إسلامية مع إسرائيل. جاءت تركيا في المرتبة الأولى مع حجم تبادل تجاري يقارب 6 مليارات دولار، فيما أذربيجان حليفة تركيا فهي تزوّد إسرائيل بـ40 في المئة من احتياجاتها النفطية.
تقول الأوساط التركية كلاماً مشابهاً عن استغلال إيران الموضوع الفلسطيني من أجل توسيع نفوذها «المذهبي». العثمانية والصفوية يتواجهان مرة أخرى.
حليف الطرفين الأكبر، الطرف الروسي أنجب نظرية أخرى على هامش الحرب في غزة. الكاتب إيغور خوداكوف تساءل (في صحيفة فوييني اوبوزين الروسية): «لماذا لا يسارع «حزب الله» الشيعي إلى دعم حماس السنية وفتح جبهة ثانية؟». وأجاب: «إذا كانت «حماس» جزءاً من مشروع جيو سياسي عالمي، فهو مشروع بريطاني- تركي، وبالتالي لن تقوم طهران ولا «حزب الله» بخدمة مشاريع لندن وأنقرة…».
كلام كثير ينبغي الانتباه إليه، خصوصاً من غزة إلى لبنان، حيث تحرص جموع الناس على «أن تكون بشراً عاديين».
*نقلاً عن “نداء الوطن”