برعاية ولاية الفقيه… الجمهوريّة الدينية في لبنان تتقد
فارس خشان
نجحت المنظومة المتحكمة بلبنان، في تهميش القضايا الوجودية الملحة لمصلحة حرف المسألة الأخلاقية نحو بعض الإشكالات الجندرية والجنسية التي تتصارع “الموروثات” والحداثة، في شأنها!
وتجري محاولات حثيثة تشارك فيها المرجعيات الدينية، من أجل تشويه المسألة الأخلاقية في لبنان وربطها بالهوية الوطنية التي تعامل معها اجتماع وزاري تشاوري في المقر الصيفي للبطريركية المارونية، وبحضور رأس الكنيسة المارونية الكاردينال بشارة الراعي، كما لو كانت واحدة من المهن الحرّة التي لها آدابها ومدوّنات سلوك خاصة بها.
وهذه مسألة خطرة للغاية، إذ إنّها، وباسم تقديس “الموروثات”، تدفع بالمجتمع المدني، الحي الوحيد في النظام اللبناني، إلى الموت، من خلال إلزامه بالجمود “الآسن” ومنعه من التفاعل مع العصف الفكري والثقافي العالميين.
وهذا التوجّه الذي تغطيه البطريركية المارونية لا يتناقض مع المسار المتجدد الذي يخطه الفاتيكان بقيادة البابا فرنسيس فحسب، بل يتقاطع مع التوجهات التي تسعى الجمهورية الإسلامية في إيران إلى فرضها بالدم والإعتقالات والملاحقات والإضطهاد والنفي، أيضًا!
ومن يدقق في البيان الصادر عن الإجتماع الوزاري التشاوري في الديمان والتصريح ذي الصلة الذي أصدره وزير الثقافة محمد مرتضى، وهو معيّن في منصبه بأمر من “حزب الله”، ومن ثم بمضمون طلبه من وزارة الداخلية منع عرض فيلم “باربي” في الصالات اللبنانية، يلاحظ التقاطع شبه التام بين ما دوّنه من جهة وما يسوّق له متطرفو إيران، باسم “ولاية الفقيه”، في محاربة المجتمع المدني، من جهة آخرى.
وليس سرًّا أنّ من أطلق هذه الحرب على ديناميكية التطوّر البديهي في المجتمع اللبناني هو الأمين العام ل”حزب الله” حسن نصرالله، وذلك في الخطب التي ألقاها في ليالي “عاشوراء”. ولم يكن مخطئًا، حين اعتبر أنّ له حلفاء في هذه الحرب في كل الطوائف اللبنانية التي تستفيد قياداتها الروحية كما زعاماتها السياسية من إعادة المجتمع المدني اللبناني الى “بيت الطاعة”، إذ إنّها لا تكتفي بربط اللبناني بها من مهده الى لحده فحسب بل تسعى إلى اقتحام أفكاره وتطلعاته وثقافته وأحلامه وهواجسه، أيضًا!
قد يكون من المفيد لأيّ مجتمع أن يطرح على بساط البحث المسألة الأخلاقية، بحيث يحاول أن يأخذ منها ما يناسبه، من أجل تمكينه من أن يتطوّر بوعي وهدوء، وينشئ تيارات فكرية متناقضة تتواجه في ساحات الفكر والرأي والثقافة، ولكن هذا يقتضي، بادئ ذي بدء، أن يكون المجتمع قد طهّر نفسه من آفات السياسة والمرجعيات التي تعيث فيه فسادًا وقهرًا وفقرًا وتهجيرًا!
ولا بدّ في هذا السياق من لفت الإنتباه إلى أنّ إثارة المسألة الأخلاقية في لبنان، من منطلقات جندرية وجنسية، في هذه المرحلة، تشوبها عيوب كثيرة، إذ تأني في وقت يجب أن تكون فيه الأولوية المطلقة لإحياء الدولة ودستورها، ولإعلاء شأن العدالة ومنع الإفلات من العقاب، ولإنقاذ الشعب من أخطر كارثة مالية واقتصادية وحياتية يمر فيها.
إنّ رافعي لواء المسألة الأخلاقية، بالشكل الذي انتهت إليه بيانات الديمان ووزارة الثقافة وتوجيهات الضاحية الجنوبية، يتغاضون عن عتاة المجرمين الذين اغتالوا ولا يزالون، واعتدوا على الحرمات ولا يتوقفون، وأنهكوا السيادة ولا يرتدعون، وأفلسوا الخزينة ويواظبون، وسرقوا الشعب ويتواقحون!
وما أشبه حالة لبنان هذه بحالة إيران، إذ فيما يشكو الشعب من عجزه عن توفير الحد الأدنى من مقوّمات العيش، بسبب التضخم والبطالة والفساد والعجز والسياسة الخارجية، ينكب المسؤولون على إيجاد ما يلزم من ضوابط قمعية، من أجل فرض ارتداء الحجاب الذي أصبح هو الآخر، بالنسبة لخطباء الجمهورية الإسلامية، اهم مقوّمات الهوية الوطنية!
وفي تقرير اقتصادي قالت صحيفة “جهان اقتصاد” إن استمرار التضخم والركود الاقتصادي لمدة 10 سنوات في إيران وفقدان السياسات الحكومية الناجحة جعل الفقر في إيران يتضاعف من دون توقف طوال هذه السنوات العشر، ولفتت الى “أنّ موائد الشعب في إيران خلال هذه الفترة أصبحت أصغر حجما وأقل جودة وأعلى سعرا، وانعكس هذا الواقع كذلك على تراجع الاهتمام بقطاعات التعليم والصحة والرفاه بين المواطنين إذ بات الشغل الشاغل لهم هو توفير لقمة العيش وتلبية أساسيات الحياة لأفراد العائلة”.
ما نشرته صحيفة “جهان إقتصاد” الإيرانية ليس سوى نموذج مخفّف مما تحفل به إيران من مآس يعيشها الشعب فيما أركان النظام يضعون ثقلهم من أجل تطويع “أخلاق المجتمع”!
المنظومة المتحكمة بلبنان، عن عمد خبيث هنا وعن تطرّف أعمى هناك، تحاول أن تنقل هذه المأساة الإيرانية الى المجتمع اللبناني!
*نقلا عن النهار