مقالات

بايدن واحتواء التمدد الإيراني

حازم الغبرا

أثارت تصريحات حكومة الرئيس بايدن في الأيام الأولى من استلامها السلطة حول تعليق الدعم العسكري للتحالف العربي في اليمن وإمكانية رفع حركة أنصار الله (الحوثيون) من قائمة التنظيمات الإرهابية قلقا حول دور الولايات المتحدة في احتواء التمدد الإيراني في الشرق الأوسط وحماية حلفائها الإقليميين من التصرفات العدائية التي قد تقوم بها طهران بشكل مباشر أو عبر ميليشيات ومنظمات تابعة لها.

إيران التي ترتكز سياستها على الأمد الطويل وانتهاز الفرص استطاعت فعلا مد سيطرتها لتشمل العراق واليمن وسوريا ولبنان ليبقى صمام الأمان الوحيد هو التحالفات الإستراتيجية والتنسيق الأمني عالي المستوى بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربي وإسرائيل.

إدارة ترامب أدركت ذلك جيدا وعملت جاهدة على وصل أقطاب خطوط التماس مع إيران عبر اتفاق السلام الذي وقع في يوليو الماضي وتم التركيز فيه على التعاون في الملفات التي تخص الأمن الإقليمي، لكن توجه الإدارة الأميركية الجديدة الواضح نحو التراجع عن كل ما أنجزته سابقتها يثير بعض الشك حول التزام الولايات المتحدة، ليس فقط بما تم الاتفاق عليه، لكن أيضا توسيع النطاق ليشمل المزيد من الدول وتعاونا أعمق بين الأطراف.

ما يزيد الأمر تعقيدا ويعطي أهمية أكبر للتعاون ضد إيران اليوم ليس فقط نجاحها الواضح في التوسع، لكن أيضا التحول الكبير الذي طرأ على قواعد الاشتباك والذي فرضه التقدم التقني الإيراني في مجال الأسلحة غير التقليدية وفي مقدمتها القدرات الهجومية السيبرانية والطائرات المسيرة والصواريخ محدودة الكلفة.

هذه الأسلحة عندما ينظر إليها في إطار الانتشار غير المسبوق لمجموعات إرهابية تابعة لإيران في المنطقة تظهر صورة واضحة وغير مطمئنة لأمن مصالح الولايات المتحدة وحلفائها، وتظهر أيضا الحاجة الماسة إلى درجة غير مسبوقة للتعاون بين الحلفاء سياسيا وعسكريا واستخباراتيا للتعامل مع هذا الوضع المستجد.

على حكومة الرئيس بايدن التروي والحذر في تعاملها مع إيران ومراجعة الاتفاق النووي بتأنّ قبل التفكير بالعودة إلى نص اتفاق سقط منه سهوا أو عمدا عدد من النقاط الأساسية المتعلقة بأمن المنطقة. أي نص اتفاق جديد عليه معالجة وضع الجماعات الإرهابية المسلحة التابعة لإيران بشكل واضح وعلني بما يشمل التخلي عن السلاح وسحب الخبراء العسكريين الإيرانيين والفيالق الأجنبية التابعة لإيران من الدول التي تنتشر فيها.

أي اتفاق جديد يجب أن يضع ضوابط صارمة على تطوير القدرات العسكرية الإيرانية خصوصا الهجومية وبعيدة المدى منها مع إرفاق خطة عمل دولية واضحة لمراقبة هذه الالتزامات تماما كما تراقب التزامات خفض درجة التخصيب والتطوير النووي.

على الولايات المتحدة أيضا عدم التسرع برفع العقوبات دفعة واحدة، بل جدولة رفع العقوبات وربطها بالتزام إيران ببنود أي اتفاق جديد دون تأخير أو تقصير. والأهم هنا تدعيم الاتفاق بجدول واضح من العقوبات الصارمة والمضاعفة في حال قيام الطرف الإيراني بمحاولة التملص من التزاماته أو خرق الاتفاق علنا أو في الخفاء.

مع أنه من المبكر الحكم على أداء بايدن وإدارته تجاه الخطر الإيراني، لكن من الضروري أن تكون رسالة الحلفاء في المنطقة إلى هذه الإدارة الجديدة تجاه الملف الإيراني واضحة وصريحة: توجهات إيران التوسعية في المنطقة ليست أقل خطرا من امتلاكها اليورانيوم المخصب، والأسلحة غير التقليدية التي تعمل إيران على تطويرها قد تثبت أنها أكثر فتكا من السلاح النووي.

أي اتفاق جديد عليه معالجة خطر إيران من كافة جوانبه وإلا فلا بأس من إعطاء العقوبات الاقتصادية الحالية الوقت الكافي لفرض واقع جديد سيجبرها على كف يد الأذى عن المنطقة.

نقلاً عن “العرب”

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى