أهم الأخبارمقالات

ايران لامريكا.. «أنا في انتظارك مليت»!

حسن فحص

تأت حسابات الحقل الايراني متناسبة مع حساب البيدر الامريكي، هي خلاصة ما وصلت اليه المساعي والجهود المتشعبة الاوروبية والاقليمية، لتذليل العوائق التي برزت على خط الازمة النووية، وادت الى تعطيل مفاوضات فيينا بين ايران والمجموعة الدولية لاكثر من ثلاثة اشهر.

وعلى الرغم من الخرق الذي استطاع مساعد مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي انريكه مورا احداثه في جدار الموقف الايراني، والانسداد الحاكم على المفاوضات خلال زيارته الاخيرة الى العاصمة الايرانية طهران، والحصول من النظام الايراني على تنازل جوهري بتخليه عن مساعيه للربط بين مفاوضات اعادة احياء اتفاق عام 2015، والعقوبات المفروضة على حرس الثورة والمطالبة باخراج هذه المؤسسة عن لائحة المنظمات الارهابية الامريكية.

الا ان الوقائع والمواقف، خاصة تلك الصادرة عن الادارة الامريكية، تشير الى ان المسافة بين هذه التنازلات وامكانية العودة الى طاولة التفاوض آخذة بالاتساع، خاصة بعد الموقف الصريح والمباشر للرئيس الامريكي جو بايدن، عندما اكد الابقاء على حرس الثورة على لائحة العقوبات، ما جعل ازمة استنئاف المفاوضات محصورة في طرفين محددين، واشنطن وطهران، بعد ان تحولت الاطراف الاخرى التي تتشكل منها السداسية الدولية او مجموعة 5+1 مجرد متفرجين، تقتصر مهمتهم على نقل الرسائل بين الطرفين، وهي مهمة تنتقل من يد الى يد من هؤلاء المتفرجين، بناء على حساسية طرفي المعادلة الاساسيين.

تنازل طهران عن احد ابرز الخطوط الحمراء، التي عطلت نتائج الجولة الثامنة من التفاوض، والتوقيع على اعادة احياء الاتفاق في الامتار الاخيرة، يأتي في اطار محاولتها لابعاد الاتفاق عن دائرة السقوط والانهيار، لما له من تبعات على الداخل الايراني المتأزم، ورهانات الحكومة الجديدة التي يسيطر عليها المحافظون، او تيار السلطة والنظام على احداث انفراجة، تساعد على منع الانهيار الاقتصادي وتساعد على ترميمه، بما يسمح بقطع الطريق على تنامي الحركات الاحتجاجية، التي باتت تنذر بامكانية حصول انفجار اجتماعي، قد يكون من غير السهل على النظام واجهزته التعامل معها ومع تداعياتها، وقد تكون الاثمان التي سيدفعها النظام، في حال لجأ الى استخدام العنف والقمع المفرط للسيطرة عليها، كبيرة جدا ومكلفة، وقد تضعه في عين العاصفة والتهديد الجدي الذي يسعى للابتعاد عن دائرته.

وبعد التخلي عن مطلب الغاء العقوبات على حرس الثورة، واشتراط ادارجه على جدول التفاوض اللاحق مع واشنطن، يعني ان تنازلات من نوع اخر قدمته طهران، وهو التخلي عن مبدأ الفصل بين الملفات او الازمات، ورفض الدمج بينها والتفاوض حولها كسلة واحدة كما تريد واشنطن.

ما يعني بالتالي، القبول بآلية طالما شكلت ذريعة للهجوم على الرئيس السابق حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، بأن يكون هناك اتفاق فيينا 2 و3 و… لبحث الملفات الاخرى والتفاوض حولها، سواء ما يتعلق بالدور والنفوذ الاقليمين، او ما يتعلق بتطوير البرنامج الصاروخي وانظمة الطائرات المسيرة، والتي تشكل في مجملها مصادر تهديد لامن واستقرار دول الاقليم، وتستخدمها طهران لتكريس وتثبيت وجودها في الساحات، التي تشكل عمقها الاستراتيجي الاقليمي، في لبنان وسوريا والعراق واليمن وغيرها.

الرغبة الايرانية ومساعي الحفاظ على الاتفاق النووي واظهار الجدية في العودة الى طاولة التفاوض، برز في تأكيدات المرشد الاعلى للنظام خلال لقائه مع امير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد، الذي كشف عن موقف واضح لدى القيادة الايرانية بالعودة الى تفعيل المسار التفاوضي بشكل جدي، عاد وعبر عنه وزير الخارجية حسين امير عبداللهيان بالقول، ان بلاده “جادة في الوصول الى اتفاق نووي قوي ومستدام”.

التمسك الايراني بالتفاوض، يأتي بعد اصطدام الضغوط التي مارستها طهران في موضوع العقوبات على الحرس، بحائط الرفض الامريكي، خاصة بعد عدم قبولها بالتسوية التي اقترحتها واشنطن بالتقسيم الوظيفي لهذه العقوبات، بحيث يتم رفعها عن قيادة هذه المؤسسة العسكرية، والابقاء على تلك المتعلقة بالذراع الاقليمية الذي تمثلها قوة القدس، قبل العودة الى التخلي عن هذا المطلب بكامله.

وفي المقابل لجأت، وعبر الوسيطين الاوروبي والقطري، للتفاوض من اجل الحصول على ضمانات اقتصادية، تتعلق بمسألة اعادة دمجها بالنظام المالي الدولي، وتفعيل آلية التحويل “سويفت”، والتي تشكل المدخل الاساس والرئيس لاجراء تقوم به الخزانة الامريكية، يسمح لطهران الحصول على الاموال المجمدة في البنوك الدولية، من عائدات حصتها في اسواق الطاقة التجارة الدولية.

استعداد طهران “لابقاء باب الدبلوماسية مفتوحا” حسب تعبير عبداللهيان، يأتي في الوقت الذي عبر فيه مبعوث البيت الابيض للمفاوضات روبرت مالي، عن اعتقاده بان هامش التوصل الى اتفاق مع ايران بات ضيقا، ما يعزز احتمالات اقترابه من الفشل، خاصة بعد عودة الادارة الامريكية لسياسة فرض العقوبات، ما دفع عبدالليهان للقول، بانها تأتي “رغم عودتنا الى مفاوضات الاتفاق النووي”.

كل هذه المساعي والجهود تبقى رهينة ما ستسفر عنه زيارة الرئيس الامريكي الى الشرق الاوسط والمباحثات التي سيجريها في السعودية واسرائيل محاولات طهران لابعاد شبح الانهيار عن مفاوضات فيينا، تكشفه مواقف حكومة طهران ومراكز القرار فيها، سواء ما صدر عن الرئيس ابراهيم رئيسي خلال زيارته الى سلطنة عمان، او ما قاله رئيس مجلس السياسات الخارجية والاستراتيجية كمال خرازي من الدوحة، بان طريق التفاوض بات ممهدا، وعاد واكد عبداللهيان ايضا في اكثر من مناسبة، ان حكومته “قدمت مبادرة جديدة لاحياء الاتفاق النووي”.

الا ان كل هذه المساعي والجهود، تبقى رهينة ما ستسفر عنه زيارة الرئيس الامريكي الى الشرق الاوسط، والمباحثات التي سيجريها في السعودية واسرائيل، وانعكاساتها على معادلات المنطقة، الامر الذي يعزز الاعتقاد بعدم حصول اي تقدم حقيقي وملموس، سلبا اوايجابا، قبل منتصف شهر حزيران المقبل.

 

 

جنوبية

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى