مقالات
انتفـاضة العـطـشى فـي الأحـواز تفضح جرائم تمييز النظام الإيراني
بقلم: د. عبدالإله بن سعود السعدون
حرك التسلط الفارسي بقراره الجائر تحويل مياه الأنهار التي كانت تغذي مدن وقرى إمارة الأحواز العربية وتحويل مجرى نهري كارون والكرمة من قبل حكومة الملالي الظالمة إلى مصلحة مناطق الأكثرية الفارسية في أواسط بلاد فارس لمعاقبة قبائل الأحواز العربية العاملة في مجال الزراعة في منطقة الأحواز الإدارية، والذي أثر في زيادة ملوحة شط العرب أيضا وعرض سكان مدينة البصرة العراقية لخطر العطش وجفاف بساتينها الزراعية، حرك حالة الغضب لدى عطشى الأحواز وانتفاضتهم ضد التسلط والهيمنة الفارسية وقراراتها التعسفية لطمس الوجه العربي لتلك القبائل صاحبة الحق الموروث في العيش الحر الكريم في إمارة الأحواز العربية السليبة.
ولم تهدأ مظاهر رفض الاستعمار الفارسي لإمارة الأحواز العربية منذ ضياعها في 1925م إثر صفقة غادرة من الاحتلال البريطاني بقرار من السير برسي كوكس المندوب البريطاني في الخليج العربي بتسليم الإمارة العربية إلى حكومة الشاه رضا بهلوي بصفقة استعمارية بالاتفاق لاستثمار البترول المنتج من أراضيها لشركة بريتش بتروليوم البريطانية الممثل لأكثر من 90% من البترول الإيراني في ذلك الوقت، تم أسر الشيخ خزعل الكعبي وولي عهده بخديعة رخيصة بدعوتهم إلى العشاء من قبل قائد البارجة الإنجليزية الراسية في مياه الخليج العربي وحين صعودهما إلى سطح البارجة تم احتجازهما والإبحار بهما إلى أحد الموانئ القريبة من إيران ونقلهما إليها ليتم حجزهما في قلعة خارج العاصمة إلى يوم تقديم السم لهما في أواسط عام 1936م. وكانت تلك نهايتهم المؤلمة.
ولم تستسلم القبائل العربية للاحتلال الفارسي فقد قاوم جيش الإمارة المسمى بحرس الشباب الأحوازي إثر أسر أميرهم وسقط منهم عديد من الشهداء وتم تدمير قلعة المحمرة بالمدافع الفارسية واجتياح جيوش الشاه رضا بهلوي للمدينة وتخريب كل معالمها. وبعد ذلك، ثار الشيخ عبدالمحسن الخاقاني واستردت قواته مدينة المحمرة وطردت جيوش الشاه خارج المدينة وطالبوا حكومة الشاه بعودة الأمير خزعل إلى السلطة على الإمارة واستنهضوا بدعم الحكومة العراقية وباقي الدول العربية، إلا أن قادة الاحتلال البريطاني منعوا الحكومات العربية آنذاك من مساندة الثوار الأحوازيين وانتهت الثورة بالتعاون البريطاني الفارسي وإعدام قادتها وتهجير شيوخ بني خاقان خارج المحمرة.
وتأتي هذه الأيام بانتفاضة عطشى الأحواز لتكمل مسيرة التحرر العربي من الاستعمار الفارسي التي قوبلت من رجال الحرس الثوري الإيراني والمرتزقة بإطلاق النار والغازات المحرقة السامة، وقد سقط عديد من أبناء الأحواز شهداء وجرحى برصاص القوى الفارسية الظالمة. ورفع المتظاهرون شعار (تسقط الديكتاتورية والموت للعملاء) وقد استطاعت القوات الأمنية اعتقال عدد كبير من المنتفضين وتم تعذيبهم في مراكز التحقيق وعلى أثر ذلك اتحدت قبائل البختارية مع العرب وهتفوا بشعار واحد (أبناء بختياري والعرب متحدون متحدون ولتسقط الديكتاتورية). وقد استخدمت قوى الحرس الثوري غاز رذاذ الفلفل وإطلاق النار الحي مع تطويق ساحات التظاهرات بالدبابات والعربات المدرعة المدججة بالأسلحة النارية القاتلة وعلى أثر سقوط ثلاثة شهداء من المنتفضين تحركت قوى المعارضة الإيرانية لتشمل العاصمة طهران وبهبهان وكرج وتوحدت هتافاتهم بالموت للديكتاتورية والاستعمار الفارسي في الأحواز العربية. وبمحاولة جبانة لإسكات صوت الثورة المشتعلة في معظم مناطق إيران لجأت قوى الأمن المستبدة إلى إيقاف الإنترنت عن مناطق الأحواز وشوشتر وسوسنكرد لمنع التواصل بين أركان الانتفاضة الشعبية في منطقة إمارة الأحواز السليبة في محاولة يائسة لمنع انتشار شرارة الثورة إلى داخل الإقليم الفارسي، وأصدرت السيدة مريم رجوي الأمين العام لمنظمة مجاهدي خلق المعارضة الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية بيانا ثوريا لمناصرة انتفاضة العطشى في الأحواز ودعت كل القوى الوطنية داخل إيران إلى مساندة الحركة الشعبية البختارية والعربية والعمل على إسقاط نظام الملالي وتحرير الشعوب الإيرانية من حكمهم الاستبدادي القمعي. وعلى أثر ذلك تحركت الجمعيات النسوية وفتيات جامعة طهران للتظاهر في العاصمة طهران معلنات تأييدهن لانتفاضة العطشى في الأحواز.
لقد توالت ثورات وانتفاضات القبائل العربية المقهورة بالتسلط الفارسي الذي بدأ باتباع سياسة التغيير الديموغرافي بإحلال مجموعات فارسية من شمال إيران وتوطينهم في المناطق العربية بعد مصادرة أراضيهم ومزارعهم قسرا بالقوة العسكرية الفارسية المحتلة. ونتيجة لهذا الظلم والقهر الفارسي تشكل اتحاد ثوري من قبائل الشريفات وبني تميم والكعبي وبني طرف للتمرد العسكري ضد الاستعمار الفارسي ومقاومته في المحمرة والحويزة والخفاجية وعسكر في خرمشهر وسوسنكرد وسيد كريم ومناطق كوت الشيخ وأيضا حي الفيصلية، فاستغل نظام الملالي هذه الثورات المتتالية في أكثر مناطق الانتفاضة الشعبية اشتعالا بالثورة العربية ضد حكمه ونفذ عملية عسكرية شاملة لتصفية دموية لطمس الروح العربية في الأحواز فتم تجهيز جيش كبير لهذا الغرض ومحاصرة المنطقة الثائرة وقُضي على الثورة بعنف ووحشية وتم إعدام ستة عشر من رؤساء القبائل العربية الثائرة والرافضة لحكمه ودفن عديد من الثوار وهم أحياء بحفر جماعية وشملت الاحتجاجات الأحواز العربية كلها.
وتبرز مظاهر التمرد المدني والاجتماعي على سلطة طهران بالعودة إلى الزي العربي وارتداء الكوفية والعقال والتحدث باللغة العربية والتأكيد على تسمية أبنائهم بأسماء عربية ونشر شعارات التظاهرات بالاستغاثة بدعم ونصرة الشعوب العربية لقضيتهم العادلة من أجل التأكيد على عروبة إمارة الأحواز.
وأمام هذه الدعوة الصادرة من ثورة العطشى بنصرة شعب الأحواز العربي لابد أن تتحرك المنظمات الإقليمية العربية والإسلامية فالجامعة العربية مدعوة إلى تبني مهمة عرض القضية الأحوازية ومعها منظمة التعاون الإسلامي بنقل ملف تحرير شعب الأحواز العربي إلى المجتمع الدولي بكل منظماته الإنسانية والسياسية وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي ومنظمات حقوق الإنسان الدولية لإصدار قرارات ملزمة لحكومة طهران بمنح الشعب الأحوازي حريته وحق التصرف في ثرواته الوطنية وعودته إلى جذوره العربية، وفتح الفضاء العربي الإعلامي لوصول الصوت الثائر الأحوازي إلى فضاء العالم أجمع. وإطلاعهم على أبعاد قضيتهم العادلة من أجل تحقيق حرية واستقلال الشعب العربي الأحوازي عن التسلط الفارسي القمعي.
نقلا أخبار الخليج