النظام الإيراني وصراعات البيت الواحد
حسن فحص
من المفترض أن تخرج إيران من حالة السبات الربيعي والسياسي الذي تمر به هذه الأيام نتيجة دخولها في أعياد رأس السنة الإيرانية. وهذا يعني أن يعود المشهد السياسي ليشهد المزيد من الحراك بهدف تظهير التحالفات والتسويات التي جرت في صمت خلف كواليس عطلة عيد “النوروز”.
أفلت السنة الإيرانية الماضية على معطيات تحمل الكثير من المؤشرات على ما يختزنه المشهد السياسي من إمكان دخول قوى وأحزاب التيار المحافظ والمؤيد للنظام في صراع مفتوح على تقاسم الحصص ومراكز القرار والسلطة. وهو صراع أنتجته صناديق الاقتراع في الانتخابات التي أجريت مطلع مارس (آذار) الماضي مشارف بداية العام الإيراني الجديد.
لا شك أن نتائج الانتخابات شكلت صدمة واضحة للقوى المحافظة التقليدية التي كانت تعتقد بقدرتها على تحقيق فوز سهل، وبالتالي الاستمرار في تثبيت مواقعها داخل السلطة ودوائر القرار في النظام. فالهزيمة التي لاحقت بها، بخاصة في انتخابات العاصمة طهران، التي تعتبر المؤشر على نفوذ وموقع أي حزب في السلطة والمجتمع، قد تجبرها على إعادة النظر بحجم النفوذ والدور الذي تتمتع به، إلى موقعها في مستقبل معادلات السلطة داخل النظام.
يمكن القول إن الانتخابات البرلمانية تحديداً، كرست وجود توجهين بارزين داخل التيار المحافظ، هما التوجه التقليدي بزعامة رئيسي البرلمان السابق غلام علي حداد عادل والحالي محمد باقر قاليباف، توجه يمثل المحافظين الجدد أو تيار “الثابتون – بايدريها” بزعامة صادق محصولي وزير داخلية محمود أحمدي نجاد. إضافة إلى قوى وأحزاب تعمل في الأغلب الأعم كواجهات سياسية لهذين التوجهين.
وإذا ما كانت جهود الدوائر الخفية للنظام قد نجحت في الساعات الأخيرة ما قبل الانتخابات على فرض نوع من الوحدة بين هذين التوجهين، واستطاعت جمعهما في لائحة انتخابية واحدة، إلا أن تيار ثابتون استطاع فرض إرادته على تركيب هذه اللائحة، وعقد صفقة تسمح ببقاء قاليباف في صدارة مرشحي هذه اللائحة مقابل إخراج الكثير من الأسماء التي كانت تشكل ورقة رابحة في يد الأخير، بهدف إضعافه ومحاصرته، بخاصة وأن هذه الصفقة لم تتم إلا بعد التوصل إلى تفاهمات بين الطرفين على تقاسم الحصص وآليات إدارة البرلمان الجديد.
القوى المحافظة التي عقدت تحالفاً مشابهاً لتحالفها الحالي في الانتخابات البرلمانية السابقة 2019، استطاعت حينها أن تحسم نتائج انتخابات العاصمة ومقاعدها الـ 30 من المرحلة الأولى. إلا أن تصاعد حدة الصراع بين قطبي هذا التحالف، انعكس على نتائج العاصمة بشكل واضح، ولم يستطع كلا الفريقين وتحالفهما من حسم هذه النتيجة، إذ لم يستطع سوى 14 مرشحاً من الفوز في الدورة الأولى، وأن يبقى مصير الـ 16 معلقاً للدورة للثانية.
إلا أن اللافت في هذه النتائج، كان في المركز الرابع الذي احتله رئيس البرلمان الحالي محمد باقر قاليباف، في حين احتل المراكز الثلاثة الأولى مرشحون من تيار “الثابتون”، إضافة إلى فائزين آخرين من بين الـ 14، في حين ينافس أكثر من سبعة مرشحين لهذا التيار في انتخابات الدورة الثانية، إلى جانب أربعة مرشحين من قوى وأحزاب رديفة لهم.
هذه النتائج والتراجع الكبير والواضح في أصوات قاليباف، وضعت مصير عودته أو استمراره في رئاسة البرلمان في دائرة الشك والترديد، وأن إمكانية خروجه أو استبعاده عن هذا الموقع بات أقرب إلى الواقع، ما لم تحصل تدخلات من خارج هذا التحالف، تعمل على كبح جماح قيادات تيار “ثابتون” التي لا تخفي رغبتها وإرادتها في التخلص من قاليباف وإخراجه من رئاسة البرلمان.
وعلى رغم هذه الرغبة عند “ثابتون”، إلا أن الأزمة الداخلية التي يواجهونها، قد تمنعهم من استخدام ورقة سيطرتهم على نسبة كبيرة من مقاعد البرلمان الجديد، والتي من المتوقع أن تصل إلى الأكثرية، وهذه الأزمة تعرقل هذا التوجه وهذه الإرادة، لجهة افتقارهم لوجود شخصية محورية داخل صفوفهم من بين الفائزين قادرة على لعب هذا الدور وشغل هذا المنصب، الأمر الذي قد يدفعهم للقبول بعودة قاليباف إلى الرئاسة، في إطار صفقة جديدة تكبله وتحد من صلاحياته وحريته في إدارة السلطة التشريعية.
في المقابل، في حال تمسك تيار “ثابتون” بموقفه الرافض لعودة قاليباف إلى الرئاسة، فإن حليفاً من خارج السياق المحافظ قد يتخذ خيار الوقوف إلى جانبه، ليس من باب الإيمان بتوجهاته السياسية، بل من باب المواجهة مع تيار “ثابتون” وما يحمله من أخطار سياسية على إيران والدولة، وهذا الحليف سيكون من القوى المستقلة والمعتدلة التي استطاعت تجاوز كل العراقيل التي وضعت لمنعها من الوصول إلى البرلمان، والتي تضمن أكثر من 40 نائباً يتقدمهم مرشح تبريز مسعود بزشيكان، الذي أعلن صراعه عن إمكانية وقوف هذه الكتلة إلى جانب قاليباف وعودته إلى الرئاسة.
وقد يكون هذا التيار مجبراً على القبول بقاليباف، من باب قطع الطريق على إمكانية إحياء الجناح التقليدي في التيار المحافظ، الذي استطاع خرق اللائحة الموحدة بينهم وبين قاليباف، وأن يوصل منوتشهر متكي وزير الخارجية السابق في عهد أحمدي نجاد إلى البرلمان، بخاصة أنه استطاع أن يحجز مقعداً له بين الفائزين من الدورة الأولى. وأن متكي يعتبر الشخصية الأبرز القادرة على تولي هذا المنصب بديلاً عن قاليباف، أو أن يكون رئيس تسوية بين قوى وأحزاب التيار المحافظ.
نقلا عن اندبندنت عربية