
النظام الإيراني وأهل السنة: طائفية ناعمة في الخطاب وخشنة في الميدان
في الوقت الذي يرفع فيه النظام الإيراني شعارات “نصرة المستضعفين” و”وحدة الأمة الإسلامية”، تكشف سياساته الإعلامية والداخلية والخارجية عن منهج مزدوج يقوم على التمييز الطائفي والعرقي، خاصة تجاه العرب وأهل السنة. ويتجلّى هذا التوجه في الإعلام الرسمي من خلال الإساءة لرموز الإسلام السني، وفي السياسات الإقليمية عبر دعم فصائل طائفية وأجندات تخدم المشروع المذهبي لولاية الفقيه.
أولاً: الإساءة لرموز الإسلام السني في الإعلام الإيراني
شهدت بعض القنوات الرسمية الإيرانية، لا سيما الناطقة بالفارسية، بثّ محتوى يُفهم منه الإساءة إلى الصحابة الكرام، وعلى رأسهم الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه. وتتم هذه الإساءات:
عبر برامج دينية تاريخية تُبث على شاشات رسمية، تستضيف رجال دين متشددين يعرضون روايات مثيرة للجدل، يتم من خلالها الطعن في مقام الصحابة.
باستخدام أسلوب التعريض والتلميح دون ذكر مباشر، مع اعتماد سردية مذهبية تُجتزأ من سياقها لتقديمها كمادة “فقهية” أو “تاريخية”.
في سياق تعبوي داخلي يعزز الهوية الطائفية للنظام في مواجهة ما يُوصف بـ”الإسلام السني الوهابي”.
هذا الخطاب الإعلامي لا يقتصر أثره على الداخل الإيراني، بل يُصدر توترًا مذهبيًا إلى خارج الحدود، ويمثل إهانة مباشرة لمشاعر مئات الملايين من المسلمين السنة حول العالم.
ثانيًا: التمييز ضد أهل السنة والعرب داخل إيران
يُعاني العرب السنة في جغرافية إيران الحالية من تمييز مزدوج: عرقي وطائفي، خصوصًا في مناطق مثل الأحواز وبلوشستان. ويتجلى ذلك في:
الحرمان من حقوق المواطنة الكاملة، بما في ذلك التعليم بلغتهم الأم (العربية أو البلوشية) والتمثيل السياسي مع سياسات تطهير عرقي ممنهجة.
منع بناء المساجد السنية في العاصمة طهران، وتضييق متواصل على رجال الدين السنة.
الاعتقالات الواسعة بحق نشطاء عرب أو سنة بتهم “الانفصال” أو “التشدد”، في حين يُغض الطرف عن الترويج للطائفية الشيعية.
يأتي هذا ضمن سياسة رسمية تهدف إلى تفريغ الهوية العربية والسنية من مضمونها الثقافي والديني، وإحلال هوية طائفية تدور في فلك الولي الفقيه.
ثالثًا: الحقد الممنهج في الخطاب الثقافي والإعلامي
يُغذي الإعلام والثقافة الإيرانية الرسمية نظرة عنصرية للعرب، تعود جذورها إلى النزعة القومية الفارسية ما قبل الإسلام:
العرب يُصورون في الدراما والكتب المدرسية كشعوب بدائية دمرت الحضارة الفارسية.
يُستخدم مصطلح “الوهابية” كأداة شيطنة ضد السنة العرب، وخاصة شعوب الخليج العربي.
يتم تلميع الشخصيات الفارسية القديمة مثل كسرى في مقابل التحقير من قادة المسلمين العرب الأوائل.
هذا التوجه يخدم رؤية إيرانية تسعى لفرض هيمنة ثقافية ومذهبية على المنطقة، تتناقض تمامًا مع مبدأ التعايش الإسلامي.
رابعًا: السياسات الإقليمية… من الطائفية النظرية إلى التنفيذ الميداني
في الخارج، لا يختلف الواقع كثيرًا، حيث توظف إيران خطابها الطائفي في دعم مشاريع تقسيمية تخدم نفوذها:
في العراق: دعمت الميليشيات الشيعية التي ارتكبت فظائع بحق العرب السنة بعد 2003.
في سوريا: وقفت إلى جانب نظام الأسد ضد الغالبية السنية، وشاركت ميليشياتها في حصار وقتل وتجويع المدن ذات الأغلبية السنية.
في اليمن: دعم الحوثيين كأقلية مذهبية ضد السلطة الشرعية السنية.
في الخليج العربي: تحريض مستمر ضد الأنظمة السنية في السعودية والبحرين بزعم “نصرة المظلومين الشيعة”.
وهكذا، تستخدم إيران خطاب المظلومية الطائفية كأداة سياسية لاختراق المجتمعات العربية وتفتيتها من الداخل.
الخاتمة:
ما يُبث على شاشة التلفزيون الإيراني ليس مجرد انحراف إعلامي، بل هو انعكاس لسياسة طائفية ممنهجة. من سبّ الصحابة إلى قمع المساجد، ومن بث الكراهية للعرب إلى دعم الميليشيات، يكشف النظام الإيراني عن وجه طائفي يُهدد أمن واستقرار المنطقة.
الرد لا يكون بخطاب مقابل، بل بـ:
فضح الممارسات عبر المنصات الحقوقية والإعلامية الدولية.
توحيد الموقف السني المعتدل الرافض للطائفية.
دعم التعايش الحقيقي بين الطوائف بعيدًا عن استغلال الدين في مشاريع الهيمنة.