أهم الأخبارمقالات

المرشد الذي يعرقل الاتفاق

 

حسن فحص

 

يروي عديد من المقربين من الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني عنه وبشكل متواتر، بخاصة في هذه الأيام التي تتوافق مع الذكرى السادسة لوفاته المشكوك فيها، أنه في إحدى جلساته الخاصة مع زعيم الثورة الخميني في أواخر حياته وفي فترة مرضه، طلب منه أن يقوم بحل مسألتين أساسيتين ومصيريتين لإيران ومستقبلها، وأنه إذا لم يقم بذلك، فإن أحداً من بعده لن يكون قادراً على حلها أو اتخاذ قرار بشأنها، الأولى هي مسألة القبول بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 598 المتعلق بوقف الحرب مع العراق، والثانية مسألة العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية.

ويقول هؤلاء إن رفسنجاني استطاع الحصول على موافقة الخميني في قرار وقف الحرب مع العراق، بخاصة بعد أن قال له إنه على استعداد لتحمل مسؤولية هذا القرار وتداعياته، وأن يقدم إلى المحاكمة بتهمة الخيانة، وأما المسألة الثانية، فقد كان موقف الخميني أنه لم يحن وقتها بعد، وعليه بقيت معلقة وانتقلت أزمتها إلى خليفته علي خامنئي بعد توليه منصب المرشد الأعلى وولي الفقيه المطلق الصلاحيات، واستمرار هذه الأزمة ومراوحة النظام ومؤسسة السلطة، باتت محكومة ونتيجة لموقف المرشد الأعلى الذي يقاوم كل المعطيات التي تدفع باتجاه فتح هذا المسار بشكل جدي، وتكشف من جهة أخرى بعد وعمق الرؤية السياسية التي كان يتمتع بها رفسنجاني في تقويمه لأبعاد هذه الأزمة وآثارها وتعقيداتها، وعجز أي شخص يأتي بعد الخميني على حلها وخوفه من اتخاذ القرار بهذا الشأن حتى لا تدون في خانة مسؤولياته وسياسته، وأنه قدم تنازلاً للإدارة الأميركية لم يقدمه المؤسس، أو رفض الدخول في شبهة الاتهام بتقديم تنازل مهما كان مستواه أو حجمه.

هذا التردد وعدم الرغبة لدى المرشد الأعلى وخليفة المؤسس في اتخاذ قرارات استراتيجية حاسمة ذات تأثير في مستقبل إيران وسياسات النظام على الساحتين الإقليمية والدولية، لم تقف عند حد القرار المباشر المتعلق بالحوار والعلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، وإنهاء حالة العداء معها أو إخراجها من دائرة العلاقة المتوترة ونقلها إلى دائرة التوازن، بل تعدتها لتسيطر على مواقف المرشد وقراراته في ما يتعلق بأزمة البرنامج النووي والمفاوضات التي نشأت مع المجتمع بعد الكشف عن أنشطة إيران السرية في تخصيب اليورانيوم، وامتلاكها برنامجاً ومنشآت بعيداً من أعين الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومعاهدة الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل التي وقعت عليها سابقاً في عهد الشاه ومازالت عضواً فيها.

ولعل المؤشر الواضح على موقف خامنئي الرافض لأي حوار مع الولايات المتحدة الأميركية، أنه سارع لسد أي ثغرة في الموقف الإيراني من هذا الحوار المباشر بعد الإعلان عن التوقيع على الاتفاق النووي عام 2015، عندما قطع الطريق على رئيس الجمهورية السابق حسن روحاني وفريقه الدبلوماسي بقيادة وزير الخارجية محمد جواد ظريف، في الاستمرار بالتواصل مع الإدارة الأميركية ومتابعة الحوار الثنائي بين ظريف ونظيره الأميركي جون كيري، وبحث آليات بناء جدار الثقة بين البلدين والتأسيس لمرحلة جديدة من العلاقات وتطويرها من خلال رسم الخطوط الحمر التي حصرت التعامل مع السداسية الدولية، وتحديداً الإدارة الأميركية في إطار المفاوضات النووية، كما حصل في المفاوضات الثنائية التي استضافتها دولة قطر في الأشهر الأخيرة من العام الماضي، بالتالي منع أي محاولة أو حوار من التحول إلى منصة أو مدخل لحوارات أعمق وأبعد، تشمل تطبيع العلاقات الثنائية وفتح مرحلة جديدة من التعاون بينهما، بخاصة وأن تبني الرئيس السابق دونالد ترمب لعملية اغتيال قائد قوة القدس قاسم سليماني الذراع الإقليمية للمرشد والنظام، قد أعطى المرشد المسوغ في رفض هذا الحوار وهذه العلاقة، واستخدمها لإثبات وجهة نظره بالعداء الأميركي المستمر للنظام.

المراوحة التي تعيشها وتمر بها المفاوضات النووية بعد قرار الرئيس الأميركي السابق ترمب الانسحاب من اتفاق فيينا الموقع سنة 2015، والمستمرة حتى الآن على رغم التغيير الذي حصل في الإدارة الأميركية ووصول الديمقراطيين إلى البيت الأبيض، ورغبة الرئيس جو بايدن وفريقه الدبلوماسي في إعادة إحياء الاتفاق على أسس ومعطيات جديدة أكثر ثباتاً وقابلية للاستمرار، تختلف عن الأسس والمعطيات التي يرغب بها النظام وقيادته في طهران، هذه المراوحة تكشف عن وجود إرادة وتوجه لدى المرشد الأعلى في عدم التوصل إلى حل لأزمة المفاوضات وإعادة إحياء الاتفاق من خلال التمسك بالشروط التي وضعها المرشد، لا سيما شرط الحصول على ضمانات ملزمة لأي إدارة أميركية بعدم الانسحاب من الاتفاق مستقبلاً، وهو الشرط الوحيد الذي صمد من بين سلة الشروط التي سبق أن وضعها النظام لإعادة إحياء الاتفاق، والتي تساقطت بعد أن أعلن وفاتها رئيس المجلس الأعلى للسياسات الاستراتيجية وزير الخارجية السابق كمال خرازي، وتراجع حضورها مع مرور الأيام وتزايد الضغوط وارتفاع حدة الضغوط الأميركية وتشديد العقوبات وتوسيعها، بحيث ضيقت الخناق بشكل واضح على الوضع الاقتصادي الداخلي ودفعته إلى حافة الانهيار، وبرزت آثارها بوضوح في أحد الأبعاد الأساسية للحراك الشعبي، الذي انفجر قبل أربعة أشهر بعد مقتل مهسا أميني، مطالباً بحرية الحجاب والحريات الشخصية وصولاً إلى الحريات السياسية والاجتماعية.

وهنا، ومن باب الإنصاف الموضوعي، يمكن إبراز الشفقة على وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان، الذي انتقل من دائرة لعب دور فريق الصقور في المفاوضات التي كان يقودها سلفه محمد جواد ظريف، ودفعت الأخير لإقصائه من المفاوضات والوزارة على حد سواء إلى دائرة التمسك بالمفاوضات وإعادة إحياء الاتفاق الذي أنجزه وعقده سلفه ظريف، وهو تمسك يأتي نتيجة لإدراك عبداللهيان الحجم الحقيقي للتأثير السلبي لعدم إحياء الاتفاق والتفاهم مع السداسية الدولية، وهو تأثير لا تقتصر تداعياته على موقع إيران ودورها على الساحتين الإقليمية والدولية، بل تتوسع لتؤثر بشكل مباشر وكبير في الوضع الاقتصادي والأزمة الخانقة التي تسببت بها العقوبات وتداعايتها المدمرة على المواطن الإيراني ووضعه المعيشي والحياتي على العكس من مساعده المفاوض علي باقري كني، الذي يقود المفاوضات تحت عنوان إلغاء العقوبات، انطلاقاً من معارضته ورفضه للاتفاق أو الاعتراف به، وهو في ذلك ينفذ رغبة وموقف المرشد الأعلى اللذان لا يكشف عنهما بشكل علني ومباشر، ويحاول الحصول على تفاهم حول إلغاء العقوبات فقط والحفاظ على حال القطيعة مع الولايات المتحدة التي تشكل مادة التحريض الأيديولوجي كعدو يسعى لاستهداف الثورة والنظام والإسلام.

اندبندنت عربية

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى