الكاظمي… وفهم الرسالة الإيرانيّة
خيرالله خيرالله
جاء إسماعيل قاآني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني إلى بغداد ليسأل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي هل فهم جيّدا الرسالة التي تضمنتها محاولة اغتياله أم لا؟
يفترض في الكاظمي استيعاب أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” في حاجة إلى الورقة العراقيّة أكثر من أيّ وقت وذلك قبل أيّام من العودة إلى التفاوض في فيينا في شأن ملفّها النووي.
يُفترض في الكاظمي استيعاب أنّ ليس مسموحا أن تغيّر الانتخابات شيئا في العراق وأن قدر هذا البلد، منذ العام 2003، أن يكون جرما يدور في الفلك الإيراني ليس إلّا. من غير الطبيعي السماح للعراق بالإفلات. جاء قاآني لتذكير كلّ من يعنيه الأمر أن لدى “الجمهوريّة الإسلاميّة” ذراعها الطويلة وأنّها مستعدة لاستخدام كلّ الوسائل المتاحة لتأكيد أن ليس مسموحا أن يكون العراق هو العراق وأن تكون إيران مجرّد دولة جارة على علاقة جيّدة معه ولكن ضمن حدود احترام السيادة… وإن في الحدود الدنيا.
فشلت محاولة اغتيال مصطفى الكاظمي عن طريق طائرات مسيّرة انطلقت من مكان بات معروفا لا يبعد أكثر من 12 كيلومترا عن منزله. كان لافتا تأكيد رئيس الوزراء العراقي أنه يعرف من وراء محاولة اغتياله التي يبدو أنّه نجا منها بأعجوبة في ضوء نجاح الأجهزة الأمنيّة العراقيّة في تعطيل طائرتين من الثلاث التي أطلقت في اتجاه منزله.
من الآن فصاعدا، قد يكون مفيدا التفكير في مرحلة ما بعد محاولة اغتيال الكاظمي الذي تحوّل بالفعل إلى شخصيّة وطنيّة عراقية بعدما تبيّن أنّه استطاع فرض خطّ سياسي يقوم على نوع من التوازن في العلاقات بين العراق ومحيطه. الأهمّ من ذلك كلّه أنّ حكومته استطاعت إجراء انتخابات نيابية في تشرين الأوّل – أكتوبر الماضي. خرجت هذه الانتخابات بنتائج لا ترضي إيران بعدما خسرت الميليشيات التابعة لها مقاعد كثيرة لمصلحة الكتلة الصدرية التي يتزعمّها مقتدى الصدر. ما لم يعجب “الجمهوريّة الإسلاميّة” بكل تأكيد أن هناك تحالفا قائما بين مقتدى الصدر والكاظمي وأنّ هذا التحالف يمكن أن يعيد الأخير إلى موقع رئيس الوزراء.
جاءت محاولة الاغتيال تتويجا لتصعيد مستمر لجأت إليه أحزاب إيران وميليشيات “الحشد الشعبي” منذ إعلان نتائج الانتخابات. كلّ ما في الأمر أن الديمقراطيّة العراقيّة تعجب إيران عندما تسيطر أحزابها على مجلس النواب. تصبح هذه الديمقراطيّة رجسا من الشيطان عندما تتشكل كتلة كبيرة تبحث، وإن على طريقتها، عن مصلحة العراق.
تبحث إيران، التي تعاني في هذه الأيّام من صعوبات اقتصاديّة من النوع الذي لا سابق له، عن إظهار أنّها قويّة. لذلك، نجدها تصعّد في لبنان عبر الأدوات التي تمتلكها. أدّى ذلك إلى قطيعة بين لبنان ودول الخليج. كلّ ما أرادت إيران إثباته عن طريق وزيرين مسيحيين في الحكومة اللبنانيّة، أحدهما يتولى حقيبة الإعلام والآخر حقيبة الخارجيّة، أن لبنان في تصرّفها وأنّها تتحكّم بكل شاردة وواردة فيه.
ليس سرّا أن إيران تصعّد في اليمن أيضا. تبدو إيران متمسكة بمتابعة هجومها الهادف إلى السيطرة على مدينة مأرب كي تكتمل مقومات المشروع الحوثي في اليمن. ليس سرّا أنّها متمسّكة بمواقعها في سوريا بعدما استثمرت فيها وصرفت المليارات من الدولارات من أجل تحقيق تغيير في طبيعة البلد وتركيبته السكّانيّة. هذا ليس وقت إفلات العراق منها. لذلك كان ضروريا تأديب مصطفى الكاظمي عن طريق إفهامه أن لا هامش للمناورة لديه وأن عليه أن يكون في الخطّ الإيراني الصرف، وإلّا فإنّ الطائرات المسيّرة في انتظاره.
أقلّ ما يمكن قوله إن المشهد السياسي العراقي سيزداد تعقيدا في الأيّام والأسابيع المقبلة. ليس أمام السياسيين العراقيين، وعلى رأسهم مصطفى الكاظمي، سوى الرضوخ لما تطالب به “الجمهوريّة الإسلاميّة”. نعم، هذا ليس وقت تفكير العراقيين بمستقبل العراق وفي كيفية إخراجه من الأزمة الاقتصاديّة والاجتماعية التي يعاني منها. هذا وقت التفكير في كيفية انضمام العراق إلى إيران في مواجهة الولايات المتحدة وإقناعها بأن لا خيار أمامها غير القبول بشروط “الجمهوريّة الإسلاميّة” في مفاوضات فيينا.
في النهاية، تبدو الرسالة الإيرانيّة موجهة إلى الإدارة الأميركيّة أيضا. ما الذي ستفعله الإدارة في مفاوضات فيينا؟ هل سترفع العقوبات عن “الجمهوريّة الإسلاميّة” التي يعترف مسؤولون فيها بصعوبة الوضع الداخلي؟ هل تستطيع الإدارة رفع العقوبات… حتّى لو كانت ترغب في ذلك؟ يعترف مسؤولون إيرانيون بأنّ نحو 40 مليون مواطن إيراني باتوا في حاجة إلى مساعدة ماليّة عاجلة. ويتحدّث آخرون عن مقايضة النفط والغاز مع باكستان من أجل حصول إيران على الأرز!
ليس سقوط إيران في العراق، وهو سقوط يعكسه اضطرارها إلى اللجوء إلى العنف لإخضاع مصطفى الكاظمي، سوى دليل على إفلاس ليس بعده إفلاس لمشروعها التوسّعي المستند إلى الميليشيات المذهبيّة، أكان ذلك في العراق أو سوريا أو لبنان أو اليمن. لا أفق لهذا المشروع غير الدمار والخراب والبؤس. في انتظار أن يتأكد ذلك، ستعاني دول مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن الكثير. ما يحدث في لبنان خطير إلى أبعد الحدود. البلد مهدّد بالسقوط كلّيا في ضوء الإفلاس الكامل وسيطرة “حزب الله”، أي إيران عليه.
عاجلا أم آجلا، سيجد العراق نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما. خيار إعادة بناء مؤسسات الدولة، في مقدّمها الجيش الوطني الذي أثبت في الشهور الماضيّة أنّه متماسك… وخيار أن يكون تحت سيطرة ميليشيات “الحشد الشعبي” التابعة لإيران.
سيتوقف الكثير على النجاح في فرض نتائج الانتخابات الأخيرة، وهي نتائج أثبتت إيران عبر طائراتها المسيّرة أنّها ترفضها. إيران تمتلك مفهومها الخاص للانتخابات، أي انتخابات. الانتخابات بالنسبة إليها مناسبة لتدجين العراق وتأكيد أنّه ليس سوى ورقة لدى “الجمهوريّة الإسلاميّة” التي تعتقد أن في استطاعتها الضغط على إدارة أميركيّة عاجزة عن رفع العقوبات عنها حتّى لو شاءت ذلك… حتّى لو قامت بكلّ الأعمال المحظورة دوليا من نوع محاولة اغتيال مصطفى الكاظمي!