الفنان أحمد كنعاني مقاوم أحوازي بسلاح الفن
يعد الفنان الأحوازي الراحل من الفنانين الذين ساهموا في استمرار وبقاء الهوية العربية والفنية للشعب العربي الأحوازي، في مواجهة مخططات “تفريس الأحواز” من قبل الاحتلال الإيراني.
حياته
وولد الفنان أحمد كنعاني في عام ١٩٢٧م في قرية بريم التابعة لمدينة عبادان في الأحواز، ونشأ في أسرة ذات مكانة اجتماعية مرموقة. رغم تعلمه الغناء للمرة الأولى من والدته، إلا أنه تعرض لمنع من والده بسبب معارضته لهذا النوع من الفن. لكن بعد وفاة والده، أعلن كنعاني شغفه بالغناء والموسيقى مرة أخرى.
بدأ كنعاني مشواره الفني بالتعاون مع فرقة إبراهيم السلمان الموسيقية، وغنى لأول مرة “الأبوذية”، وبعد وفاة مسؤول الفرقة، تولى كنعاني المسؤولية وسعى لتطويرها، حيث سافر إلى الكويت لجلب آلات موسيقية حديثة. بعد ذلك، ازدادت أعضاء الفرقة إلى قرابة الأربعين شخصًا.
في عام ١٩٥٣م، استغل كنعاني دعوته للمشاركة في إذاعة مصفاة النفط بعبادان، حيث كان أول أحوازي يشارك فيها بالفن الأحوازي، لنشر الموسيقى الأحوازية وتعزيزها بين المجتمع المحلي.
تعرضه للاعتقال
لكن رحلة كنعاني الفنية لم تكن خالية من التحديات، ففي عام ١٩٦٦م تعرض للاعتقال وحُكم عليه بالسجن عدة سنوات بسبب أعماله الفنية والتمثيليات التي كانت تحمل رسائل هادفة. تعرض للتعذيب والاضطهاد بشكل مروع، ولكنه تمكن من تحمل كل هذه الصعوبات وعاد إلى الفن بمجرد خروجه من السجن.
وتحوّلت فترة اعتقال الفنان أحمد كنعاني إلى فرصة لتنمية قدراته، حيث استغل الوقت لتعلم القراءة والكتابة، واطّلع على الأيديولوجيات السائدة في تلك الحقبة مثل اليسار السياسي والشيوعية، مما أضاف نضجًا لأعماله الفنية.
تحت أعين السفاك
ووضع جهاز المخابرات “السافاك”، كنعاني تحت مراقبة دقيقة، وعندما كان ينوي حضور حفل في منطقة أخرى خارج عبادان، كان عليه الاتصال بفرع “السافاك” في عبادان لإبلاغهم بتفاصيل المدينة والعنوان الذي ينوي فيه إقامة الحفل. وفي بعض الأحيان، كانت فروع “السافاك” ترسل عناصر لمراقبة مجريات الحفل ومراقبة الكلمات التي يغنيها الفنان.
تحدث ابنه شهاب أحمد كنعاني عن تجربة والده في حفل بمدينة الحميدية، حيث قدم الوالد أحمد كنعاني أبياتٍ من طور العلوانية لامرأة، لكن تبين فيما بعد أن هذه الأبيات كانت لشقيق المرأة الذي أُعدم من قبل نظام الشاه. تعرّف أحمد كنعاني على هذا الشخص أثناء فترة اعتقاله في السجن وحفظ الأبيات عنه، مما أدى إلى توبيخه من قبل النظام بتهمة التحريض ضد السلطات.
كان يشارك في المجالس الشعرية الشهرية التي كانت تُقام في عدة مدن ومناطق مثل المحمرة، ودور خوين، ومسير الكرخة، وكارون، والقصبة. كانت هذه المجالس تعتبر منتديات ثقافية حيث يجتمع الشعراء والمهتمون بالشعر للنقاش وتبادل الأفكار.
يُذكر أن أحمد كنعاني كان من مستمعي محطات الإذاعة بشكل كبير، خاصة إذاعة “القاهرة” وإذاعة “صوت العرب”، وكان يتأثر بأسلوب المذيع المصري الشهير أحمد سعيد. وتجلى هذا التأثير في تسمية أحد أبنائه بـ “محمد سعيد” تيمّناً باسم المذيع المصري البارز أحمد سعيد.
استراحة مقاوم
رغم كل التحديات والعوائق، استمر أحمد كنعاني في ممارسة فنه بإصرار وتفانٍ، وبات يُعتبر رمزًا للصمود والتحدي في عالم الفن.
منذ بداية مسيرته الفنية، كان الفنان أحمد كنعاني ملتزمًا بتطوير الموسيقى الأحوازية وجذب الطاقات الفنية الواعدة، وقد قام بجهود مصيرية في هذا الصدد في المدن والقرى. لم يكن من المفاجئ أن يُلقبه الوسط الفني الأحوازي باسم “أبو الفنانين” نظرًا للدور الكبير الذي لعبه في استقطاب الطاقات الفنية المحترفة وتنشئة الفنانين المبتدئين.
وتوفي الفنان القدير أحمد كنعاني بعد مسيرة فنية وثقافية حافلة في 28 أغسطس 1993م، وذلك جراء تفاقم مرض السكري وتأثير السنين الصعبة التي قضاها في فترات اعتقاله.