الـ “بيجر”: تفجير تحذير أم بداية تدمير؟
سعد بن طفلة العجمي
لا تزال الأخبار تتوالى من لبنان وسوريا وقيل من العراق أيضاً، حول تفجيرات لأجهزة الـ “بيجر” الثلاثاء الماضي طاولت أكثر من 3 آلاف جريح مع قتلى تضاربت أعدادهم، ولا تزال الأرقام النهائية غير معروفة باعتراف الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله خلال كلمته مساء أمس.
الأخبار متضاربة حول عدد القتلى والجرحى، ومتضاربة حول تفجيرات للأجهزة الاتصالات اللاسلكية “ووكي توكي” أمس الأربعاء، والأكثر غموضاً هو كيفية وصول الاستخبارات الإسرائيلية لهذه الأجهزة وتفجيرها عن بعد.
تعج وسائل الإعلام المختلفة، المقروءة والمسموعة والمرئية، بالطريقة التي جرت بها عمليات التفجير الجديدة، ناهيك عن وسائل التواصل الاجتماعي ومنظريها، فكل يدلي بدلوه ويقدم نظريته وتنظيره حول العملية التي سببت دماراً وآلاماً لـ “حزب الله” ولبنان بعامة، فالمستشفيات تغص بالجرحى والبلبلة والفوضى تسود الشارع اللبناني حول طبيعة وحقيقة ما جرى، وباعتراف حسن نصرالله فالضربة غير مسبوقة ومؤلمة للحزب ولبنان.
المراقب الموضوعي يرى أن هذه العملية الإسرائيلية ضربة موجعة لـ “حزب الله” ولبنان وإيران من ورائهما، فالسفير الإيراني في لبنان مجتبى أماني كان أحد ضحايا تفجير الـ “بيجر” ظهر الثلاثاء الماضي، ومن حملوا الـ “بيجر” أو أجهزة اللاسلكي هم في الغالب القادة الميدانيون، فمثل هذه الأجهزة لا توزع مجاناً على الأفراد والمقاتلين العاديين في الحزب، وعلى أي مراقب أن يتخيل حجم الضرر الذي ألحقته هذه العملية بقيادات وتنظيم “حزب الله”.
الأكثر ضرراً هو أن ضحايا التفجيرات أصيبوا إصابات بالغة في الغالب، وبالتالي فالإصابة أكثر كلفة على الجيوش والدول والأحزاب من وفاة مقاتل ما، فعملية الإخلاء والعلاج والمتابعة والتأهيل والتعويض المعيشي لهذا المقاتل المصاب أكثر بكثير من كلفة مقتله، وللمتابع أن يتخيل حجم هذه الكلفة على أكثر من 3 آلاف من القادة الميدانيين للحزب.
بعد معركة “البيجر”… الحوثي يتحسس أذنه
والسؤال هنا هو حول الأهداف التي تنشدها إسرائيل من وراء هذه العملية المعقدة والضربة الموجعة لـ “حزب الله” وإيران، ويمكن قراءة أسباب ونتائج هذه الضربة في الآتي:
أولاً قد تكون هذه مقدمة الحرب الشاملة ضد “حزب الله”، وهي ضربة استباقية شلت قدراته اللوجستية وشبكة اتصالاته الخاصة التي دخل الحزب في حرب مع حكومته من أجلها عام 2008 حين رفض الانصياع لقرارات الحكومة اللبنانية بالاندماج مع شبكات اتصالاتها الرسمية، واجتاح مسلحو الحزب بيروت الغربية ومناطق في الجبل من أجل تلك الشبكة التي تحولت إلى سلاح بيد إسرائيل كما جرى خلال اليومين الماضيين، وبالتالي فتفجيرات الثلاثاء والأربعاء الماضيين أظهرت كم أن الحزب مكشوف أمنياً لدى إسرائيل، وأفقدته مبررات شبكة اتصالاته الخاصة به.
ثانياً قد تكون هذه الضربة بمثابة تحذير لجر “حزب الله”- إيران نحو تسوية أشمل من قرار مجلس الأمن رقم (1701) لضمان أمن شمال إسرائيل والجليل وعودة سكانه، ومفاد هذا التحذير هو “انظروا كم أنتم مخترقون، وكيف أننا نستطيع أن نحدث فيكم ضرراً أكبر من تفجيرات الـ “بيجر” من دون الحاجة إلى حرب شاملة معكم، فلا تفكروا بالاستمرار في المناوشات المتقطعة معنا، ولنتوصل إلى حل شامل معاً”.
ثالثاً: الأيام وربما الساعات المقبلة هي التي يمكن أن توضح قراءة نتائج هذه التفجيرات الـ “بيجرية” اعتماداً على ما سيرد به “حزب الله” على عملية الـ “بيجرات” الموجعة، لكن رده مرتبط بإيران وليس هناك دليل أوضح من ذلك على أن السفير الإيراني لدى بيروت مرتبط بشبكات بيجر “حزب الله”، وإيران ليست في وارد حرب شاملة بين حزبها في لبنان وبين إسرائيل، فالتفاهمات مع إدارة بايدن في أرقى حالاتها، وليس أوضح من دليل على رقي التفاهمات مثل توقف عمليات أحزابها العراقية ضد القواعد الأميركية في العراق وسوريا، وغياب الانتقام الإيراني لاغتيال إسماعيل هنية في طهران نهاية يوليو (تموز) الماضي، وهو غياب جاء بعد جولات محادثات إيرانية – أميركية عبر وساطة عُمانية، كما أن أي حرب شاملة في المنطقة قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستُجرى خلال سبعة أسابيع لن تكون في مصلحة مرشحة إدارة بايدن- كامالا هاريس، وإيران لا تتمنى عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض، ولن تعمل ما قد يعزز فرص وصوله إلى الرئاسة مرة أخرى، ولا ننس أن اغتيال إسماعيل هنية قد مضى عليه شهران تقريباً ولم تنتقم إيران من إسرائيل لاغتياله بعد، وقد تؤجل هذا الانتقام إن أتى إلى ما بعد الانتخابات الأميركية.
في خطابه مساء أمس اعترف الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله بألم التفجيرات على حزبه ولبنان، لكنه أكد قوة وصمود ومتانة الحزب وتوعد بالرد “في المكان والزمان” الذي يختاره، وهو ما يفسره المراقبون على أنه عدم التورط في رد شامل كما يرغب ويتمنى نتنياهو.
والشاهد أن معركة تفجير الـ “بيجرات” وأجهزة الاتصالات اللاسلكية قد أدخلت المنطقة في نوع جديد من الحروب السيبرانية التي قال عنها الكاتب ديفيد أغناتيوس في صحيفة “واشنطن بوست” إنها حرب خطرة تعلن الولوج في عصر جديد من الحروب يحول الأجهزة الذكية بكل أنواعها إلى سلاح خطر ضد من يقتنيه، والمؤكد أن معركة الـ “بيجر” واللاسلكي يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين ما هي إلا مقدمة لحروب سيبرانية لا أحد يعرف خباياها ومداها.
نقلاً عن اندبندنت عربية