أهم الأخبارمقالات

العنصرية الرقمية والتطهير العرقي اللفظي: بين “إيرانیزم” وجرائم الكراهية ضد العرب في الفضاء الافتراضي

بقلم: عبدالسلام أبوطه العثماني

في زمن تتشابك فيه شبكات التواصل الاجتماعي مع القضايا السياسية والهويات القومية، بات الفضاء الرقمي ساحةً مفتوحة للتحريض والكراهية، كما هو الحال في الغرفة التي عُرفت باسم “إيرانیزم” على تطبيق كلابهاوس، والتي شكّلت نموذجاً فجّاً وخطيراً لخطاب الكراهية الممنهج ضد العرب.

منصة للتحريض: “إيرانیزم” واحتفاء بالمجازر

في الليلة الماضية، اجتمع المئات في غرفة تحمل عنوانًا صادماً: “دریادار مدنی چگونه اراذل ضد ایرانی خلق عرب را قتل عام کرد؟”، والذي يُترجم إلى: “كيف قتل الأدميرال المدني قطاع الطرق المعادين لإيران من العرب؟”. هذه التسمية وحدها كافية لإثارة القلق، إذ تمجّد شخصية عسكرية متورطة في جرائم ضد المدنيين العرب في الأحواز، وتُصوّر الضحايا الأبرياء على أنهم “أراذل” و”أعداء”، في خطاب يكرّس العنصرية ويُضفي شرعية زائفة على العنف المنظم من قِبل الاحتلال الإيراني.

خلال الجلسة، لم يتورّع المتحدثون – وخصوصاً من أنشأ الغرفة – عن استخدام أقذر أنواع الشتائم بحق العرب، بل قاموا بتحريض الحضور على مهاجمة العرب في وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى تبرير مجازر دموية كجريمة “نيزار معشور” في نوفمبر 2019، حيث قُتل عشرات المتظاهرين العزل على يد قوات النظام الإيراني المحتل، فقط لأنهم طالبوا برفع الظلم والاستبداد عن إقليمهم المحتل.

الخلفية القانونية: هل هذا قانوني في أستراليا؟

وفقًا لـ قانون التمييز العنصري 1975 وقانون الكراهية العنصرية 1995 في أستراليا، فإن أي فعل من شأنه أن “يُهين أو يُرهب أو يُذلّ” مجموعة على أساس عرقي أو قومي يُعتبر جريمة يُعاقب عليها القانون. وفي عام 2025، جرى توسيع هذه القوانين عبر مشروع تعديل قانون العقوبات (جرائم الكراهية) ليشمل التحريض على العنف ضد أفراد أو جماعات بسبب خصائصهم العرقية أو الدينية أو القومية.

استنادًا إلى هذه القوانين، فإن من ينشر أو ينظّم مثل هذه الغرف – سواء أكان مواطنًا أستراليًا أو مقيماً دائمًا – يمكن أن يُحال للمساءلة القانونية، خصوصًا إذا كان يقيم داخل الأراضي الأسترالية كما تبيّن بعض المؤشرات عن الشخص الذي أنشأ هذه الغرفة.

قضية الأحواز و”الأربعاء الأسود” في المحمرة

لا يمكن فهم هذه الاعتداءات دون العودة إلى قضية الأحواز، الدولة العربية الذي تعاني من الاحتلال الإيراني منذ عام 1925، حين احتلّت إيران الدولة العربية المستقلة في الأحواز، وضمّتها بالقوة إلى حدودها دون استفتاء شعبي أو شرعية قانونية.

منذ ذلك الحين، يمارس الاحتلال الإيراني سياسات تهدف إلى طمس الهوية العربية، وفرض التهميش والتهجير والتجفيف الاقتصادي والثقافي. ومن أبشع مظاهر هذا الاحتلال، مجزرة “الأربعاء الأسود” في المحمرة، مايو 1979، حين اقتحمت القوات العسكرية الإيرانية المدينة بالدبابات والأسلحة الثقيلة، وقتلت مئات المدنيين العرب، واعتقلت الآلاف، تحت إشراف ضباط كبار منهم الأدميرال أحمد مدني، الذي يُحتفى به في غرفة “إيرانیزم” كـ”بطل”، بينما هو في نظر العرب رمزٌ لدموية الاحتلال الإيراني.

ما العمل؟

1. التحرك القانوني: يحق للاجئين الأحوازيين في أستراليا تقديم بلاغات رسمية إلى هيئة حقوق الإنسان الأسترالية ومفوضية مكافحة التمييز العنصري ضد منظمي هذه الغرف العنصرية، استنادًا إلى القوانين الأسترالية الرافضة للكراهية والتحريض.

2. التوثيق والملاحقة: يجب توثيق الغرف بالصوت والصورة واللغة المستخدمة، ومتابعة الشخصيات التي تنشر هذا النوع من الخطاب التحريضي، ومطالبة السلطات الأسترالية بالتحقيق معهم بموجب قوانين جرائم الكراهية.

3. التضامن الإعلامي والحقوقي: يجب على الإعلام الحر، والمنظمات الحقوقية، والمجتمعات العربية في المهجر، تسليط الضوء على ما يتعرض له العرب في الأحواز من اضطهاد قومي على يد الاحتلال الإيراني، وربط الحاضر بالماضي الدموي الذي تمارسه ذات المنظومة.

 

خاتمة

ما حدث في “إيرانیزم” ليس مجرد تعبير عن رأي، بل جريمة تحريضية يجب أن تُدان، وتُواجَه قانونيًا وأخلاقيًا. السكوت عن هذا النوع من العنصرية هو تواطؤ صامت، خصوصًا عندما يكون المُستهدَف شعبًا واقعًا تحت احتلال ظالم مثل الشعب العربي الأحوازي. وإذا كانت أستراليا ترفع راية التعددية والعدالة، فإن عليها حماية مجتمعها من تسلل الكراهية المنظمة التي باتت تجد في الفضاء الرقمي سلاحًا جديدًا لتبرير الجرائم القديمة والجديدة للاحتلال الإيراني.

موضوعات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى