
الزهراني: الأحواز المحتلة قرنٌ من الاحتلال الفارسي ومحاولة اقتلاع الهوية العربية
أكد الدكتور عائض الزهراني، الأكاديمي والباحث المتخصص في الشؤون العربية والإسلامية، أن الذكرى المئوية لاحتلال الأحواز تمثل جرحًا نازفًا في جسد الأمة العربية، داعيًا إلى إحياء هذه القضية المنسية وإعادتها إلى الواجهة باعتبارها قضية حق وعدالة وهوية، لا تقبل النسيان ولا التهميش.
وفي كلمة بمناسبة مرور مئة عام على الاحتلال الإيراني للأحواز العربية، قال الدكتور الزهراني إن ما حدث في عام 1925 لم يكن مجرد إسقاطٍ لحاكم عربي أو تغيير في الخارطة الجغرافية، بل كان بداية مشروع متكامل لاقتلاع شعبٍ عربي من جذوره، وطمس هويته، وإخضاعه لمنظومة قمعٍ وتفريسٍ ممنهجة.
وأضاف: “إن الاحتلال الفارسي للأحواز لم يتوقف عند حدود الجغرافيا، بل تمدد إلى الذاكرة واللغة والعقيدة، إذ عمدت السلطات الإيرانية إلى محو كل ما هو عربي، ومنعت الأحوازيين من تعليم أبنائهم بلغتهم الأم، وغيرت أسماء المدن والمعالم، وسعت إلى محو الرواية التاريخية الحقيقية.”
وشدد الدكتور الزهراني على أن الأحواز اليوم ليست مجرد قضية حقوق، بل قضية وجود، لافتًا إلى أن أبناء الأحواز الذين حُرموا من خيرات أرضهم لا يزالون يواجهون آلة القمع الإيرانية بشجاعة نادرة، وأن تضحياتهم تستوجب من العرب والمسلمين وقفة صادقة وموقفًا أخلاقيًا وسياسيًا واضحًا.
وأشار إلى أن “ما يعانيه الشعب الأحوازي اليوم من تهميش اقتصادي وتضييق ثقافي واضطهاد ديني، يكشف زيف الشعارات التي ترفعها السلطات الإيرانية عن نصرة المستضعفين، مؤكدًا أن أكثر من 80% من نفط إيران يُستخرج من أرض الأحواز، فيما يعيش سكانها في فقر مدقع وبنية تحتية متهالكة، ما يمثل قمة الاستغلال والاستعباد.”
وختم الدكتور الزهراني كلمته بالقول:
“إن هذه الذكرى الأليمة يجب أن تكون نقطة انطلاق جديدة نحو تفعيل القضية الأحوازية في المحافل الدولية، والتذكير الدائم بأن الاحتلال لا يسقط بالتقادم، وأن الصوت الأحوازي لن يخبو مهما طال الزمن، فالأرض لا تنسى أبناءها، والحق لا يُدفن. لقد آن الأوان لأن تنهض الأمة وتعيد لهذه القضية اعتبارها، ولشعب الأحواز كرامته وسيادته على أرضه وهويته.”
وإليكم نص الكلمة كاملة:
الأحواز المحتلة: قرنٌ من الاحتلال الفارسي ومحاولة اقتلاع الهوية العربية
في زمن تتبدل فيه الجغرافيا تحت وطأة القوة، تبقى الحقيقة التاريخية راسخة: أن الأحواز، تلك الأرض العربية التي تتربع على ضفاف الخليج، كانت وستظل عربية الأصل والهوية، رغم قرنٍ من الاحتلال الفارسي ومحاولات طمس ملامحها الحضارية. فقد مضى مئة عام منذ أن غدرت قوات رضا شاه البهلوي بحاكم الأحواز الشيخ خزعل الكعبي، لتبدأ مرحلة مؤلمة من القهر والتفريس والتهجير الممنهج. الأرض التي كانت تنبض بالعروبة والكرامة تحولت إلى ساحة صراع من أجل البقاء، وحصار للغة والدين والكرامة.
تسعى السلطات الإيرانية منذ عام 1925 إلى طمس كل ما هو عربي في الأحواز، فتمنع اللغة العربية في المدارس، وتغير أسماء المدن، وتزيف السجلات، وتغرس المستوطنات الفارسية، وتلاحق كل من ينطق بالحق. ومع ذلك، فإن أبناء الأحواز لا يزالون يقاومون بصمودهم وإيمانهم العميق بعدالة قضيتهم، فالأرض التي تُروى بدماء الشهداء لا تموت، بل تثمر نخلًا وشمسًا وحقًا. أكثر من ثمانين في المئة من النفط الإيراني يُستخرج من باطن هذه الأرض العربية، بينما شعبها يئن تحت وطأة الفقر والحرمان، في مفارقة تكشف نفاق المشروع الإيراني الذي ينهب الثروات ويجوع أصحابها.
ليست معاناة الأحوازيين صدى لصرخة من الماضي فحسب، بل هي واقع يومي توثقه المنظمات الدولية. إذ تؤكد تقارير منظمة العفو الدولية و”هيومن رايتس ووتش” أن الأحوازيين يتعرضون للتمييز العنصري، ويحرمون من التعليم بلغتهم الأم، وتُصادر أراضيهم، وتُشن حملات اعتقال ضد نشطائهم، وتُنفذ الإعدامات في السجون دون محاكمة عادلة. وتاريخ الإعدامات طويل، من علي المطيري إلى حسن الحيدري، والجرم واحد: أنهم نادوا بالحرية والعدالة.
لكن وسط هذا الظلام، لا يزال الأمل حيًا. فقد نشأت حركات تحرر تناضل من أجل استعادة السيادة والكرامة، مثل الجبهة العربية لتحرير الأحواز، وحركة النضال العربي، والعديد من الأصوات التي خرجت من رحم القمع لتكون ألسنة الأمة الغائبة. هؤلاء لم يسكتوا، لأن في صدورهم صوتًا لا يُقمع، وإيمانًا لا يُخذل، بأن الأرض لا تُباع، والهوية لا تُمحى، وأن “الذين قُتلوا في سبيل الله أحياء عند ربهم يُرزقون”.
إن قضية الأحواز لم تكن يومًا قضية هامشية، بل هي امتحان حي لضمير الأمة، وجزء لا يتجزأ من أمن الخليج العربي وهويته ومصيره. فإذا كانت فلسطين هي القلب، فإن الأحواز هي الرئة الاقتصادية، والبوابة الشرقية للأمن العربي. إننا حين ننادي بتحرير الأحواز، لا ندعو إلى حرب، بل نناشد الضمير العربي والدولي أن يقف مع العدل والحق، أن يرد للمظلوم كرامته، وللأرض سيادتها، وللهوية نبضها الذي لا يموت.
ونستشهد نقول كما قال الحق سبحانه: “ولا تحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار” [إبراهيم: 42]، ونؤمن بأن الله ناصر عباده المظلومين، القائل في كتابه العزيز: “ونريد أن نمنّ على الذين استُضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين” [القصص: 5]. إن هذا اليوم آتٍ لا محالة، وإن التحرير حق، والحق لا يموت، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.