“الحوثي” وفرض واقع “الانفصال والتشطير”!
صادق القاضي
مبدئياً، يطمع الحوثي بضم أكبر مساحة جغرافية ممكنة تحت راية نظامه الكهنوتي، وهو عملياً يحاول اجتياح الجنوب والشرق تحت شعار “الوحدة اليمنية”، ولو كان بإمكانه لاجتاح الجزيرة العربية كلها، وضمها إلى هذا النظام، تحت شعارات الوحدة العربية والإسلامية.
لكنه مستعد -في حال تم كسره عسكرياً- أن يقبل بحكم إمارة خاصة، ولو في حدود صعدة وضواحيها، ومع ذلك حتى على هذا المستوى لن يترك مجالاً لترسخ وحدة حقيقية. لأسباب تنتمي إلى عمق منظومته الفكرية والدينية والسياسية والثقافية والاجتماعية.
وهذا ما حدث بداية بمناطق سيطرته، لقد دأب “الحوثي” منذ البدء على تمزيق خارطة هذه المناطق المخطوفة: طائفيا واجتماعيا وجهويا. رأسيا وأفقيا. فالسادة شعب غير القبائل، غير المدنيين، و”صعدة” محكومة بمعايير وقيم مختلفة عن تلك التي تحكم “صنعاء”، كما أن “تهامة” محكومة بأسس غير التي تحكم “إب”، أو “تعز”.!
على مستوى آخر. دأب “الحوثي” على سلخ هذه المناطق المخطوفة عن خارطة اليمن الموحد، من خلال فرض قرارات وإجراءات انفصالية تشطيرية على مختلف جوانب العلاقة بينها وبين المناطق المحررة، منها. على سبيل المثال:
-إغلاق الطرق والمنافذ وضبط حركة البشر والبضائع بالشكل الصارم المعروف في المنافذ الحدودية الدولية.
– عزل هذه المناطق بنقاط تشطيرية تستلم الجمارك، كما يحدث في العادة بين دولتين.
-أنظمة الضرائب والزكاة فيها مختلفة فيها عنها في المناطق المحررة.
-تقسم العملة اليمنية الواحدة إلى عملتين، ومنع التداول بالعملة الرسمية لليمن الموحد.
-فرض مناهج تعليمية مختلفة عن المناهج المقررة في مناطق سيطرة الشرعية.
-الاحتفال بمناسبات خاصة غير المناسبات الوطنية الرسمية المحددة.
-فرض التقويم القمري الهجري للدولة على حساب التقويم الشمسي المعتمد رسميا.
بالمقارنة مع بعض الأصوات الجنوبية المطالبة بـ”الانفصال”، والعودة بالخارطة اليمنية إلى ما قبل “الوحدة اليمنية” 1990م. هذه القرارات والممارسات والإجراءات الانفصالية التشطيرية النافذة وغيرها.. من شأنها تمزيق الوحدة الوطنية والسياسية، وإعادة الخارطة اليمنية برمتها إلى ما قبل التاريخ.
وفي مقابل المطالبات الانفصالية الجنوبية السلمية من داخل بنية “الشرعية” نفسها. يقف “الحوثي” خارج كل دوائر التوافق الوطني، يزايد بشعار “الوحدة اليمنية”، ويفرض “الانفصال” بالقوة على أرض الواقع، استنادا على نظرية عنصرية كانت دائما عنصر تفريق وشتات وتشظٍ للشعب اليمني.
بل إن المطالب الجنوبية بالانفصال ستصبح استحقاقاً كاملاً في حال استمر النظام الحوثي في حكم الشمال، ما يعني بوضوح أن سقوط النظام الحوثي هو الضمانة الوحيدة لبقاء الوحدة السياسية اليمنية، فمن غير المعقول أن نطالب شعب الجنوب بالتوحد مع نظام هو ضد الوحدة الوطنية حتى في الشمال.!
في المحصلة: الوحدة ظاهرة قائمة على أساس الاشتراك والشراكة، و”الحوثي” لا يؤمن بهما، كنظام ليس فقط منفصلاً عن الجغرافيا، بل أيضاً منفصل عن التاريخ والثقافة اليمنية، والمجتمع اليمني، والنظام الجمهوري، والحياة والعالم المعاصر.. نظام كهنوتي بائد ينتمي إلى كهوف التاريخ.