الحوثيون وحتمية النهاية
صالح البيضاني
قبل أيام شهدت محافظة إب اليمنية وهي محافظة يضرب بها المثل في المسالمة، ما يشبه الانتفاضة الشعبية، نتيجة إقدام السلطات الحوثية على اختطاف شاب اشتهر على مواقع التواصل الاجتماعي بانتقاد الممارسات الحوثية، قبل أن يعيده الحوثيون لأسرته جثة هامدة عليها آثار التعذيب.
وليست هذه الحادثة الأولى التي يلقى فيها يمنيون حتفهم تحت التعذيب الحوثي، لكنها واحدة من حوادث قليلة برزت للإعلام وتحوّلت إلى قضية رأي عام وسلّطت الضوء على الانتهاكات الوحشية التي يمارسها الحوثيون بحق خصومهم، حتى في محافظة صعدة ذاتها التي توصف بأنها معقلهم الرئيس، حيث تحولت قضية مقتل شاب تحت التعذيب في سجون الحوثيين إلى ما يشبه انتفاضة قبلية استدعت الجماعة لإصدار بيان والتحقيق في الجريمة واعتبارها حادثة فردية.
والتقارير عن انتهاكات الحوثيين في السجون وكيف يخرج المعتقلون جثثا هامدة باتت إحدى سمات السلوك الحوثي بحق قائمة طويلة من الآلاف من المعارضين تضم صنوفا شتى من المواطنين، تبدأ من المواطن البسيط الذي يتحدث عن الجوع في الشارع وصولا إلى الصحافيين والسياسيين وحتى النساء في سابقة لم يعرف لها اليمنيون مثيلا في الاجتراء على القيم الدينية والقبلية والاجتماعية التي كانت تحصّن المرأة وتحميها.
وقصة الانتهاكات الحوثية بحق النساء في اليمن لا يمكن تلخيصها في مقال، غير أنها بلغت ذروتها على الصعيد الإعلامي بالكشف عن قضية السجون الخاصة التي كان يديرها قيادي حوثي بات اسمه على قائمة المنتهكين الأممية، قبل أن تعلن الجماعة عن موته المفاجئ بمرض كورونا، فيما قيل حينها إنها تصفية داخلية تمت لإغلاق هذا الملف الأسود في تاريخ اليمن المعاصر.
ولا تتوقف ممارسات الظلم الحوثية من خلال الاعتقال والتعذيب والقتل، حيث تتفنن الجماعة في ابتكار أساليب عديدة للإذلال والتجويع والإفقار، أقل ما يقال عنها إنها ممارسات منتقم حاقد وليس صاحب مشروع حتى شيطاني!
وخلال الأيام القليلة الماضية فقط، برزت إلى السطح أربع قضايا شغلت الشارع اليمني وتحولت إلى قضايا رأي عام وكشفت عن حجم العبث الحوثي والاستهتار باليمنيين والرهان على حكمهم بسياسة القمع وتكميم الأفواه وتعميق معاناتهم والاستمتاع بها.
القضية الأولى كانت إقرار الحوثيين لقانون الزكاة الجديد الذي تضمن إضافة بند خاص بفرض “الخُمس” من ثروات اليمن لصالح سلالة واحدة، والثاني إصدار قانون ما سمّي “منع التعاملات الربوية” الذي يستهدف مصادرة ودائع أكثر من مليون يمني في البنوك ودفعهم إلى هاوية الفقر، أما القضية الثالثة فقد كانت الكشف عن تفاصيل إزالة عدد من أسواق صنعاء التاريخية وتحويلها إلى مزار ديني طائفي، ورابع تلك القضايا كانت إعلان الحوثيين العثور على وثيقة يعود تاريخها إلى ألف عام وتم بموجبها تحويل غرب صنعاء إلى وقف مخصص للسلالة ومصادرة ممتلكات اليمنيين في تلك المنطقة الشاسعة بناء على أوهام عقائدية سحيقة.
ومن يتابع فصول الظلم الممنهج الذي يمارسه الحوثيون اليوم يدرك تماما بأنه أمام ميليشيا قصيرة العمر، قائمة على فكرة القمع، مصمّمة لاستفزاز اليمنيين وإحياء روح الثورة الكامنة بداخلهم وليس جماعة تخطط للحكم والبقاء؛ بقدر ما هي أعمال ميليشيا عائدة من مجاهل التاريخ للانتقام فقط من مظلومية مزعومة ثم العودة إلى كهوفها مرة أخرى.
وخلال الثماني السنوات الماضية قوبل الظلم الحوثي بانتفاضات عديدة شهدتها مناطق اليمن، غلبت عليها التلقائية وغياب التنظيم ما جعلها لا ترقى إلى درجة الثورة، ولكنها تظل إرهاصات لثورة حتمية قادمة تلوح في الأفق وتنتظر اكتمال أسبابها وعواملها الداخلية والخارجية، حتى تشتعل شرارتها وتتوالى تداعياتها في بلد صعب المراس.
وبالرغم من الصورة السوداوية الداكنة لحال اليمن اليوم في ظل الميليشيا الحوثية، إلا أنه من المؤكد أن نهاية هذه الميليشيات تتسارع بشكل لم يكن متوقعا، حيث يلوح في الأفق الفصل الأخير من عمر هذه الجماعة التي أتت باسم “المظلومية” وستنتهي بفعل ظلمها الذي لم يعرف له اليمنيون مثيلا.