الجزر الإماراتية المحتلة: حديثٌ إيراني متناقض
سالم الكتبي
أحد أهم الدروس التي تعلمها الجميع في دول مجلس التعاون من السلوك الايراني منذ عام 1979 أنه لا شىء يحدث مصادفة، وأن كل خطوة يخطوها النظام تحمل رسالة إلى طرف معين؛ وفي هذا الإطار لا نستغرب أبداً توقيت الاعلان الايراني الرسمي عن افتتاح مطار “الإمام علي” في جزيرة “طنب الكبري” إحدى الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها إيران، وتدشين خط طيران بينها وبين العاصمة طهران.
لا غرابة أيضاً أن يجري الافتتاح بحضور رئيس منظمة الطيران المدني الايرانية محمد محمدي بخش، وبجانبه قائد القوة البحرية للحرس الثوري الأدميرال علي رضا تنكسيري، الذي وجدها فرصة ثمينة لإطلاق التصريحات التي تدغدع عواطف المتشددين الإيرانين وأنصار النظام وأذرعه الميليشياوية في الإقليم، مثل الحديث عن السيادة البرية والبحرية والجوية والإزدهار الإقتصادي القائم على الأنشطة البحرية وغيرها من أمور لا وجود لها سوى في خيال هؤلاء القادة.
لا مفاجأة في محاولة إيران ترسيخ احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث، ولا غرابة في ظهور قائد القوة البحرية للحرس الثوري بشكل متكرر على أرض الجزر الإماراتية الثلاث، فالأدميرال تنكسيري هو من يتولى في الأعوام الأخيرة ترديد مزاعم نظامه بملكية الجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسي) بل تمادى في مزاعمه الجوفاء معتبراً أن مملكة البحرين “جزءاً من إيران”، حيث سبق أن تحدث في مقابلة متلفزة مع قناة “العالم” الإيرانية وقال “أنتم تعلمون جيداً أنّ هذه الجزر إيرانية، كما تعلمون أنّنا لو عدنا إلى الوراء في التاريخ لوجدنا أن البحرين كانت جزءاً من إيران حتى عام 1971″، وأضاف “هل يمكن أن يدعي أحدهم بامتلاكه هذه الجزر؟ بينما البحرين التي لها تاريخ طويل كانت جزءاً من إيران، خاصة أن مسافة هذه الجزر تبعد عن سواحلنا 16 ميلاً فقط؟ هذه الجزر إيرانية، لكن أعداءنا يهدفون من وراء إثارة هذه القضايا حلب المنطقة والانتشار فيها”، والكلام هنا يعكس بوضوح الكيفية التي يفكر بها النظام الإيراني، الذي يجيد لعبة توزيع الأدوار وتشتيت الانتباه، فيترك الحديث عن “حسن الجوار” والرغبة في التعاون لبعض الوجوه، ثم يدفع البعض الآخر للظهور في توقيتات مدروسة لاتخاذ خطوات (مثل افتتاح مطار في جزيرة محتلة) أو إطلاق تصريحات استفزازية مثل تلك التي أوردناها سالفاً!
لا تكل إيران ولا تمل ـ على سبيل المثال ـ من مزاعم الدفاع عن فلسطين والفلسطينيين وهي التي تحتل أرضاً إماراتية بالأدلة والوثائق التاريخية الدامغة، وتلوح بتبعية دولة خليجية عربية ذات سيادة وعضو بالأمم المتحدة لها (!) وكأننا نعيش في غابة يأكل فيها القوي الضعيف، لا في عالم متحضر يفترض أن تحكمه القوانين والمواثيق والأعراف الدولية، ولكن لا غرابة من انتهاكات وممارسات وحتى مزاعم من يتباهى علناَ باحتلال أربع عواصم عربية ويسعى لابتلاع الخامسة، ويجد من ينصت له وهو يذرف دموعاَ وقحة على احتلال فلسطين!!
إختيار توقيت الاعلان عن افتتاح مطار في جزيرة طنب الكبرى المحتلة هو الخبر وليس المطار ذاته لأن النظام الايراني، والحرس الثوري تحديداً، يسعى منذ سنوات إلى تكريس إحتلال الجزر الثلاث عبر مشروع توطين وبناء مطارين وكواسر للأمواج، بتكليف مباشر من المرشد علي خامنئي بتأهيل الجزر للاستفادة من أهميتها الاستراتيجية في الدفاع عن إيران، بحسب ما قال تنكسيري نفسه في تصريحات أدلى بها في ابريل عام 2020، حيث أوضح “نعتزم إيجاد بنية تحتية في هذه الجزر، لتأهيلها من أجل توطين السكان فيها، تنفيذا للأمر الصادر عن القائد العام للقوات المسلحة”، وقالإن “الرجل الأول في الدولة” قال أنه يتعين على الناس أن يعيشوا في الجزر وأنه يجب أن نهيئ الجزر لذلك”.
التوقيت هنا هو الخبر والمغزى؛فالخبر لافت لأنه يأتي وسط توقعات بحدوث تحسن في العلاقات بين إيران ودول مجلس التعاون، إثر تطورات وانفراجات لا تخفى على أحد خلال الآونة الأخيرة، بل وأحاديث إعلامية متواترة عن زيارة محتملة للرئيس الايراني للإمارات، وتصريحات رسمية عن “رغبة إيرانية في توطيد العلاقات مع الإمارات”، ما يعني أننا ـ كمراقبين ـ أمام أحد تفسيرين أولهما أن هناك تباينات في المواقف والسياسات الايرانية حول إدارة العلاقات مع الجوار الاقليمي، بمعنى أن هناك من يريد تحقيق انفراجة ومن يريد نسف أي بوادر ايجابية وتلغيم أجواء العلاقات مجدداً. وثاني هذه التفسيرات أن ما يحدث كله ـ سلباً وايجاباً ـ ليس سوى لعبة توزيع الأدوار الإيرانية التي تجري دوماً تحت مبررات وهمية نجح النظام الايراني في تصديرها للخارج واقناع الكثيرين بها، وفي مقدمتها المحافظين والاصلاحيين، والمتطرفين والمعتدلين وغيرها من أوهام نجحت إيران من خلالها في تمرير الكثير من طموحاتها وفي مقدمتها الوصول إلى قدرات معرفية وتصنيعية نووية لا يفصل بينها وبين “القنبلة” سوى قرار سياسي وبضعه أسابيع بحسب تقديرات إستخباراتية معتبرة!
إن افتتاح مطار أو بناء كاسر للأمواج أو نقل بعض السكان للجزر الإماراتية الثلاث المحتلة لا يغير من الحقائق التاريخية والاسانيد القانونية التي تثبت سيادة الإمارات على هذه الجزر، فجميعها خطوات مأزومة لصرف الأنظار وتصدير الأزمات الداخلية وافتعال مشكلة تصرف أنظار الإيرانيين عن أمور داخلية عديدة، وارتباك واضطراب في الرؤية الاستراتيجية التي تضع الشعارات وادعاء البطولة الزائفة فوق مصالح شعب يستحق أن ينعم بمردود ثروات تتبخر بحثاً عن أحلام واهية.
كواسر الأمواج والمطارات لا تشرعن أي احتلال، وتوطين السكان وتوفير خطوط النقل لا يفرض واقعاً جديداً على جزر محتلة ستعود إن آجلاً أو عاجلاً لأصحابها الشرعيين، ولن تفلح خطط تنكسيري ولا غيره في طمس حقائق التاريخ ولا محو ذاكرة الأوطان والشعوب. والفائدة الوحيدة من هذه الاستفزازات المتكررة هو أنها تفضح النوايا وتكشف المستور وتثير تساؤلات مشروعة حول حقيقة الحديث المتناقض عن الرغبة في الحوار و الاستقرار وحسن الجوار، إذ لا لا يعقل أن يقوم من يريد الاستقرار باستفزاز الآخرين وفتح ملفات ساخنة ومحاولة ترسيخ احتلال أراضي الآخرين.
إيلاف