الجذر والجذع والشجرة في تصنيف “الحرس الثوري الإيراني”
علي الصراف
تحافظ إدارة “البيت الأبيض” على موقف متردد حيال العودة إلى الاتفاق النووي. ولكنها ليست في حاجة إلى ارتكاب أخطاء جسيمة على الأقل.
التخطيط لرفع العقوبات، أو حتى مجرد تخفيفها، عن النظام الإيراني بينما أبناء إيران يتظاهرون ضد سياساته القمعية وفساده، ستكون واحدة من أعجب المفارقات التي يمكنها أن تدل على أن غياب البصيرة قد بلغ أقصاه. ليس لأن ما يحصل عليه النظام من أموال سوف يتحول إلى ذخيرة حية ضد المتظاهرين فحسب، بل لأنه سوف يطيل عمر سلطة استبداد ضاق الجميع بها ذرعا أيضا.
إنه توقيت سيئ، من ناحية المظالم التي يتعرض لها الشعب الإيراني، ومن ناحية ما تقوم به الجماعات الموالية لإيران من أعمال إرهاب في المنطقة، مما يدل على أن المسؤولين في إدارة “البيت الأبيض” يرتدون ساعات أسوأ من أن تكون ساعات متوقفة، لأنه حتى الساعات المتوقفة يمكنها أن تعطيك التوقيت الصحيح مرتين في اليوم. بينما ساعاتهم لا تعطي التوقيت الصحيح منذ أن تولى الرئيس جو بايدن منصبه حتى اليوم.
المفارقة الثالثة هي أنه بينما تؤكد الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران تُخفي نشاطات نووية أكثر مما تعلن، بدليل رفضها الإجابة عن أسئلة الوكالة بشأن العثور على آثار لليورانيوم في مواقع غير معلنة، فإن أي محاولة لرفع العقوبات دون معرفة الحقيقة سوف تعني قبولا ضمنيا بالتعرض للخداع، مثلما ظل يحصل حتى عندما كان الاتفاق النووي لعام 2015 يبدو وكأنه ما يزال حيا، بينما كانت إيران تدفنه في أقبية تحت الأرض.
المفارقة الرابعة، هي أنه بينما يخطط الرئيس “بايدن” لزيارة المنطقة، فلن يكون من الحصافة أن يقدم لزعمائها استعدادات لإعادة تمويل إيران لكي تستخدمها في دعم مليشياتها التي تهدد الاستقرار في المنطقة.
والمفارقة الخامسة، هي أن الإدارة الأمريكية تميل إلى أن تسمع ما تقول إيران بشأن أي شيء وتصدقه، بينما المسؤولون الإيرانيون لا يُقيمون علاقاتِ حُسن جوار مع الحقيقة. وهم يمارسون الخداع كجزء من قناعات أيديولوجية تبرر لهم الكذب، ويسمونه “تُقية”.
ولقد دلت التجارب والأيام على مر الأربعين سنة الماضية، أنهم لو قالوا شيئا، فأول ما يجب أن تأخذه بعين الاعتبار هو أنهم يقصدون عكسه.
والمفارقة السادسة، هي أن رفع العقوبات عن سلطة طهران، سيكون بمثابة ثغرة بحجم إيران في جدار العقوبات والعزلة التي تحاول الولايات المتحدة فرضها على روسيا.
أما المفارقة السابعة، فهي أن رفعا جزئيا عن تصنيف منظمة “الحرس الثوري الإيراني” كتنظيم إرهابي، يكشف عن جهل شديد بطبيعة هذه المنظمة وأهدافها وطرائق عملها، حتى لا يعود من الجائز القول إن أجهزة المخابرات الأمريكية أخطأت في التقييم. لأن التقييمات الصحيحة والمعلنة أكثر من أن تُعد. وهي تتعلق في كثير منها بأعمال إرهاب كانت الولايات المتحدة نفسها ضحية لها.
وتقول إيران الآن، إنها مستعدة للنظر في “حلول وسط” بشأن هذا التصنيف، وكأن أحدا لا يعلم أنها تريد أن تحصل على الأموال المجمّدة في المصارف الغربية، من أجل أن تخدم نفوذها التخريبي في المنطقة.
وما يزال من غير المعروف مَنْ الذي سرّب فكرة “تجزئة التصنيف” إلى المسؤول عن الشؤون الخارجية الأوروبية، جوزيب بوريل، بحيث يتم رفع اسم “الحرس الثوري” من قائمة الإرهاب، وبقاء “فيلق القدس” في القائمة، ليكون ذلك بمثابة “حل وسط”. ولكن يجب ألا تستبعد أن تكون بعض الأوساط الدبلوماسية الإيرانية، أو المتواطئة مع إيران، هي التي أوصلتها إلى هذا المسؤول الأوروبي، لكي يعرضها كـ”مبادرة”.
والفكرة ليست سوى محاولة لـ”الضحك على الذقون”. لأنها تسعى إلى التمييز بين الشجرة وجذعها. إذ لا شيء يمكنه أن يجسّد الأهداف والأدوات والأيديولوجيا “المَهْدوية” التي تمثلها منظمة “الحرس الثوري”، أكثر من “فيلق القدس” نفسه. إنه هو الجذع والشجرة. ما يجعل محاولة التمييز بينهما واحدا من أسوأ أعمال سوء الفهم المتعمّد، إن لم يكن عملا من أعمال التواطؤ المقصود، لتسهيل الأمور على منظمة الإرهاب.
لا تستطيع الولايات المتحدة أن تزعم أنها لا تعرف ما الجذعُ في شجرة الإرهاب الذي تصدره إيران. وما من أحد إلا ويعرف أنه جذعٌ يحظى بصفة دستورية، لـ”تصدير الفوضى”. وقد تختلف التسميات، وتتعد الفروع، ويذهب واحد ويحل محله آخر، إلا أن شجرة الشر تبقى هي نفسها.
هذا الجذع هو، في الواقع، كل النظام الإيراني الذي يتظاهر ضده الإيرانيون، ويقدمون التضحيات للتخلص منه.
ثمَّ، ما من مبرر لكي تبحث عن “حلول وسط” أصلا. اذهب إلى الجذر الدستوري، الذي يبرر لإيران أن تزرع منظمات إرهاب في الخارج، وحاول أن تقتلعه. ساعتَها سوف تعرف من أين يتدفق ينبوع الإرهاب.
العين