الثورة الإيرانية آتية حتماً
الفيديوهات الخارجة من إيران وتظهر تراجيديا سقوط الضحايا في مسيرات الاحتجاج لا سيما النساء منهم، بخاصة بعد مقتل مهسا أميني على يد الأمن بسبب شكل حجابها، وسقوط قتلى وجرحى من المتظاهرين الذين تظاهروا احتجاجاً على قتلها ومنهم الناشطة هاديس نجفي، إنما تظهر أن الوضع الداخلي في إيران انكسر مرة جديدة، لكن حراك الشارع هذه المرة قد لا يكون مثيلاً للموجات السابقة، ومستقبل تلك التطورات تحمل في طياتها معالم جديدة للصراع الداخلي في إيران، وأهم الأسئلة التي تطرح الآن هي حول مستقبل هذه الاحتجاجات والموقف الأميركي منها.
ثورة 1979
في عام 1979 تفجرت انتفاضة شعبية ضد حكم “الشاهنشاه” رضا بهلوي وطالبت بتنحيته واستبدال حكمه بسلطة منتخبة، ولعب اليسار المؤيد للسوفيات دوراً أساساً خلال التظاهرات، وقام تحالف واسع ضم اليسار و”مجاهدي خلق” والليبراليين و”البازار” والاتحادات العمالية ورجال الدين الشيعة وقوى أخرى، بالضغط والمطالبة بالتغيير حتى رحل الشاه إلى الخارج.
لكن التيار الأصولي في الأوساط الدينية انطلاقاً من مدينة قم وبقيادة آية الله الخميني جند ميليشيات وانقض على شركاء الثورة من يسار شيوعي إلى الليبراليين، وأخيراً فتك بـ “مجاهدي خلق” الفصيل الأكثر تنظيماً في الثورة، وأعلنت القيادة الخمينية إقامة “الجمهورية الإسلامية” على النمط “التكفيري الشيعي”، وألغت كل معارضيها خلال سنتين وأقامت تيوقراطية فاشية مكان الشاه أطلقت عليها اسم “الثورة الإسلامية”، ودام حكمها 42 عاماً عبر قبضة حديدية كما فعل البلاشفة من قبلهم مذ 1917.
ثورات ضد الخمينية
لكن أيضاً كما حدث للاتحاد السوفياتي خلال عقود حكم الحزب الشيوعي حين قامت ثورات متتالية ضد سلطته، سواء كان في أوروبا الشرقية أو داخل الاتحاد نفسه، أيضاً حدث مع “الجمهورية الخمينية”، وأبرز الثورات التي اندلعت ضد حكم الملالي و”الباسدران” كانت التالية:
الثورة الطلابية الكبرى عام 1999 في معظم جامعات البلاد، وقد قمعها النظام بعنف.
“الثورة الخضراء” عام 2009 التي تفجرت رداً على رفض انتخابات مزورة وتوسعت في طهران حتى بلغت المليون ونصف المليون مشارك، وانتهت أيضاً بهجوم قوات “الباسيج” والحرس على المحتجين وقتل عدد كبير منهم وبينهم الصبية ندى، واشتهرت صورتها بعد أن قتلها قناص.
ثورة خريف 2019، إذ بعد 10 سنوات انفجرت الثورة الرابعة بعد تردي الأوضاع المعيشية وتفشت إلى محافظات عدة، بما فيها الأهواز وكردستان وبلوشستان، وظلت التظاهرات أشهر عدة وانتهت أيضاً بالقمع الدموي واعتقال الآلاف.
ثورة 2022 وهي انتفاضة “مهسا” التي انطلقت من غضب نساء إيران، بخاصة فتيات البلاد، من العنف الذي تمارسه الأجهزة الأمنية ضدهن والتطبيق الصارم “لشريعة النظام” في المجال المدني، مما يقلص حرياتهن إلى أضيق المجالات على الطريقة الطالبانية تقريباً.
وفي هذا الشهر أيضاً توسعت التظاهرات والاحتجاجات وتعددت الصدامات بين المواطنين والأمن والميليشيات، إلا أن الموجة الشعبية الرابعة هذه تختلف عن سابقاتها، فهي أعمق اجتماعياً، لا سيما مع دخول النساء وبخاصة الشابات في قلب الاحتجاجات وسقوط الضحايا بينهن، مما يشكل عاملاً تعبوياً أكبر في البلاد. أما العامل الآخر هو ارتفاع حرارة الاحتجاجات في مناطق الأقليات القومية، وأخيراً تردد النظام باعتماد استراتيجية نهائية لمواجهة الانتفاضة بسبب حسابات الاتفاق النووي والمداخيل المتوقعة.
الموقف الأميركي
الفيديوهات والصور الخارجة من إيران في هذه الجولة أكثر دراماتيكية من سابقاتها وأكثر دقة ومشاركة الفتيات فيها أكبر، وقد أدى ذلك إلى تأثر أكبر في “السوشيال ميديا” والإعلام والكونغرس، وكان لذلك تأثير على قواعد اليسار على رغم تأثير اللوبي الإيراني عليه، وهذا بالطبع وضع ضغطاً أكبر على إدارة بايدن، وهي تفاوض طهران على الاتفاق، بينما الانتخابات النصفية تقترب بسرعة.
الأوراق تختلط في الولايات المتحدة كما تتأثر في أوروبا جراء “انتفاضة مهسا”، وهي لا تزال في أولها، ولقد كتبت في مقالاتي السابقة وشددت خلال مقابلاتي على أن الاتفاق النووي تحت ضغوط ثلاثة، إسرائيل والتحالف العربي والمعارضة الإيرانية، وخلصت أن الضغط الثالث سيبقى الأهم، إذ إن مصير النظام في طهران بين يدي الشعب في إيران، وإن كانت هناك موجات متتالية تنتهي بالقمع، فالثورة الإيرانية الشاملة والنهائية آتية حتماً وسنرى.
*نقلاً عن إندبندنت عربية