التهديد الإيراني للخليج بين المواجهة والمجابهة
اعتداء الحركة الحوثية المتكرر على المملكة العربية السعودية يطرح تساؤلات جوهرية عدة، عن ماهية المعتدي الحقيقي بخاصة وأن “الحركة الحوثية” استخدمت أسلحة ومتفجرات إيرانية الصنع؟ الهدف من الاعتداء وتكراره لا سيما أنه طاول منشآت نفطية ومناطق مدنية، في الوقت الذي يحتاج فيه العالم لكل قطرة نفط في ظل الحرب الروسية على أوكرانيا. فهل يمكن تأكيد المخاوف الخليجية من وحي الاعتداءات الأخيرة على المملكة العربية السعودية بخطر إيران على أمن المنطقة والعالم؟
ربما الإجابة عن هذه التساؤلات يحمل في طياته الحلول المقترحة للتعامل مع الخطر الإيراني وما يمثله من تهديد حقيقي ليس فقط على أمن الخليج والمنطقة ولكن على أمن العالم بأسرة؛ فإيران دعوة توسعية تسعى للتمدد ولا تؤمن بالحدود الجغرافية… في السابق أعلنت أنها نجحت في احتلال 4 عواصم عربية، ونعني بالإحتلال هنا أن هذه الدول باتت مرهونة بالقرار الإيراني، وتستخدمها طهران في الاعتداء على الدول الآمنه والمستقرة في المنطقة ومنها تُهدد أمن واستقرار العالم.
الاستخبارات الإيرانية تعمل بنشاط متزايد في المنطقة العربية، ولعل مدخلها في ذلك التشّيع الديني ومنه تنتقل إلى ما يمكن أن نسميه بالتشّيع السياسي، وقد نجحت في إقناع مئات الآلاف بنظريتها، وبات هؤلاء المتشّيعون العرب يتخذون من طهران قبلتهم ويقيمون علاقات وثيقة مع السيد الإيراني أو أذرعه التي نشرها في المنطقة.
أقامت إيران هذه العلاقات مع كل من أبدى استعداده لتحويل القبلة والصلاة في حرم الإمام الرضا سواء كان مؤمناً بما يفعل ويرى الصواب في التوجة الشيعي أو لا يمانع من وضع يده في يد الإمام، سواء كان حاضراً أو غائباً، طالما حصل على المال؛ وقامت طهران بمحاولة استقطاب بعض قيادات تنظيم “الجهاد الإسلامي” في مصر أو بعض الذين كانوا يحاولون إشهار ما أطلق عليه بـ”حزب السلامة والتنمية”.
وتم تحويل ملايين الدولارات لهؤلاء الإرهابيين، وهو ما وضعنا في تساؤل غريب يرتبط بأن الأكثر تطرفاً في التيار السنّي يضع يده ويخطب ود إيران؟ ويسعى لأن يكون ذراعاً لها في القاهرة … هؤلاء قتلوا المصريين بتبريرات شرعية وما زالوا يمارسون عمليات الاغتيال المعنوي ومحاولة هدم الدولة كلٌ على طريقته؛ وبالتالي الشبه ليس بعيداً بينهم وبين الولي الفقية، فكلٌ منهما بمثابة خنجر مسموم في ظهر الوطن أو طلقة رخيصة يُطلقها أحدهما في محاولة لتطبيق أفكاره المتطرفة.
وفي هذا السياق نفهم علاقة إيران بـ”القاعدة” و”داعش” وبتنظيم “الجهاد الإسلامي” في فلسطين والقاهرة وبكل تيارات الإسلام السياسي المتطرفة، يمكن أن نفهم إيران ومقاصدها من هذه العلاقة، ونفهم أيضاً هؤلاء المتطرفين الذين سعوا إليها من أجل الحصول على المال، وهو ما يعكس زاوية التطرف في شخصيات وأفكار هؤلاء وأولئك.
إيران تسعى للانتشار والتوسع والاحتلال لمزيد من الدول العربية والخليجية، وهي لم تكف بعد ولن تكف، أدواتها بما في ذلك المتطرفون الذين كانوا وما زال لهم ميول ناحية التطرف، فكثير منهم لديه خلل في شخصيته واستعداد لأن يفعل أي شيء طالما كان ذلك يحقق مصلحتة ومصلحة الدين الذي يعتقده، كثير من هؤلاء لديه ثأر مع الدولة يحاول في فترات الضعف أن يجهز عليها، وكثير منهم أصاب شخصيته الخلل وإلا ما كان متطرفاً بهذه الصورة.
إيران تبحث عن شخصيات في عالم التجنيد والاستقطاب حتى وإن بدا أنها تقدم لهم دعماً إعلامياً وبحثياً ولكنها تريد في النهاية شراءهم ثم استخدامهم وهذا هو الأهم في أهدافها نحو اختراق الدول، تستخدم أذرعها وأدواتها في تهديد أمن العالم لتحقيق أهدفها، ولعل “الحركة الحوثية” موضع الحديث في هذا المقال، أحد أهم هذه الأدوات مثلها مثل “حزب الله”، العراقي واللبناني و”الحشد الشعبي”، وغيرها من الأذرع العسكرية التي نجحت طهران بتدشينها في قلب المنطقة العربية، وكانت تسعى لتكرار تجربتها في القاهرة لولا أن أصابها الوهن بسبب يقظة أجهزة الأمن والمعلومات.
الرسائل الإيرانية من الإعتداء على المملكة العربية السعودية لا تتوقف والهدف الإيراني معلوم ومرصود ومفهوم وإن كان غير مُتفهَم وبطبيعة الحال غير مبرر، هذه الرسائل تؤكد أن صاحبها لا يجنح إلى السلم وإنما يميل دائماً إلى الاعتداء على الآخر بهدف كسره واختراقه، مستخدماً كل أدواته في تحقيق الفوضى اعتقاداً منه أن هذه الطريقة الوحيدة التي تصل به إلى الاحتلال الكامل… هذه العقلية مستوحاة من التنظيمات المتطرفة ذات الخلفية السنّية “القاعدة وداعش” مثالاً، وهنا يبدو أن الوصول إلى إتفاق سلام مع إيران أو أذرعها ضرب من الخيال اللامعقول.
تبدو رسائل إيران من إعتداء “الحركة الحوثية” على المملكة العربية السعودية في الفترة الأخيرة واضحة، فهم يهددون أمن العالم قبل أن يهددوا أمن المملكة، بخاصة أن الاعتداء انصب جزء كبير منه على المنشآت النفطية، وهو ما يحتاج إلى رد قوي وحاسم يستهدف المحرض وليس وكيله! كما لا بد من أن يكون هذا الرد من قبل المجتمع الدولي، وألا توضع المملكة أسيرة هذا الرد بمفردها، بخاصة أن هؤلاء يُهددون أمن المنطقة والخليج بأكمله.
من المهم أن يتم تحديد الهدف، كما أنه من المهم تحديد المشكلة، وأعتقد أن الردع الحقيقي لا بد من أن يكون إيرانياً وليس موجهاً بأكمله لـ”الحركة الحوثية”، فهؤلاء مجرد وكلاء دورهم تنفيذ ما يمُلى عليهم، وحصر المعركة معهم يؤدي إلى مزيد من الخسائر ولن يؤدي إلى حسمها بأي حال من الأحوال، وهو ما يدفعنا إلى القول إن الرد لا بد من أن يكون من خلال المنطقة التي تشعر بالتهديد حتى وإن كان بعيداً ولكنه قادماً لا محالة أمام عقلية المحتل الغازي، بل لا بد من أن يكون الرد دولياً، وما دون ذلك سوف يؤدي إلى تطور الصراع ونجاح إيران في استنزاف الدول، دولة دولة.
الإعتداءات “الحوثية” أكدت صدق المخاوف الخليجية والعربية من إيران، فما يحدث في الخليج هو تأكيد للسلوك الإيراني المنحرف ونية الأخيرة في تهديد أمن المنطقة تمهيداً لممارسة هذا التهديد على الدول البعيدة منها ولا تجمعها حدود جغرافية، وهو ما يستلزم تقليم أظافر السيد الإيراني الذي بات يضرب بأنيابه وصواريخه في كل مكان من دون عقل.
المعلومات تؤكد أن حركة “أنصار الله الحوثية” قامت بإطلاق المسيّرات المفخخة والصواريخ الإيرانية البالستية على المملكة من مدن يمنية عدة منها صنعاء والحديدة، واستخدمت في ذلك المطارات وموانئ الحديدة ومنشآت نفطية، والهدف بكل تأكيد هو التحصن بالمدنيين، فلا يتم الرد على الهدف المعتدي بخاصة أنه مدني “مطار أو منشأة نفطية أو ميناء”، فقد يُهلك المدنيون جراء الرد على الأهداف، فإيران وأذرعها تستخدم التطرف العنيف والقوة الغاشمة وتستخدم المدنيين أيضاً، بحيث يكونون هدفاً لضرباتها في تهديد أمن المنطقة سواء من قبل ضربات “الحوثي” أو في حال الرد والدفاع عن النفس.
مواجهة ومجابهة التهديد الإيراني لا بد من أن يكون من خلال إنشاء حلف عسكري عربي يكون أشبه بحلف “الناتو” والذي أنشئ في الأساس لمواجهة تمدد روسيا في أوروبا، هذا الحلف أو القوة العربية المشتركة لا بد من أن يكون هدفها الرئيسي مواجهة ومجابهة المخاطر المشتركة بين أعضاء الحلف العربي بخاصة أمام التمدد الفارسي … الاستعداد الخليجي والعربي يجب أن تتم ترجمته في خطوات عملية وفق تصور يكون قادراً على مواجهة التهديد حتى إزالته تماماً.
نقلا عن النهار