التشيُّع الفارسي في أفريقيا … يوم أُكل الثور الأبيض
أحمد الجارالله
منذ إعلان دستور إيران الجديد في العام 1979، وتضمينه مادة عن “تصدير الثورة”، لم تدخر أجهزة استخباراتها جهداً في تسويق الفكرة الخمينية عن تثوير الشعوب، وتغيير عقيدتها الثقافية؛ سعياً منها إلى نشر التشيُّع الصفوي بالعنف والقتل.
ولذا حين تُحذِّر بعض الدول من مغبة هذا النوع من التسلل العقائدي إلى مُجتمعاتها، فلا يعني ذلك أنها تثير فتنة طائفية ومذهبية، إنما الهدف التصدي لهذا النهج، الذي لا يختلف عن نهج إسماعيل الصفوي الذي عمل في القرن الخامس عشر على نشر التشيُّع في بلاده عبر العنف والقتل.
لا شكَّ أنَّ المُتابع لتاريخ الثورة الإيرانية يكتشف الكثير من نقاط التشابه بين الخميني والصفوي، فالاثنان يعتزان بالعصبية الفارسية، وقد ألبسا مشروعيْهما التوسعييْن عباءة دينية، وظهر ذلك جلياً بين عامي 1979 و1988، حين اتخذت القيادة الجديدة القتل والتهريب والسجون طريقاً لإحكام سيطرتها على البلاد، إضافة إلى تأسيسها جماعات طائفية في الدول العربية والإسلامية، قامت على الإرهاب الفكري والعملي، ولنا في ما يُسمى “أحزاب الله”، المثال الواضح لما يُمكن أن تصل إليه الحال في الدول التي تدخلها هذه العصابات.
صحيحٌ أنَّ لا ضرر من تعدد الطوائف والمذاهب، فهذا موجود في كلِّ الأديان، ولقد قامت المجتمعات العربية تاريخياً على التعدد والانفتاح، ورغم النكسات التي مرت بها، بقيت العلاقات الاجتماعية في أفضل حالاتها، لكن الخطير في المشروع الجديد، ليس نشر التشيُّع العربي الذي نعرفه وتعايشنا معه لقرون عدة، إنما ذلك التوسع المُستتر بالعباءة الدينية القائمة على رؤية مُجتزَأة ومُشوَّهة للإسلام والتشيُّع، لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية.
من هذا المنطلق، يؤخذ التحذير المغربي من نشر التشيع الفارسي في أفريقيا على أنه إنذار جديٌّ لما يُمكن أن يصل إليه نظام الملالي في مشروعه الذي يستمر بتنفيذه، رغم كلِّ رسائل التهدئة الزائفة التي يُرسلها، ولنا في ما يسمى “الحركة الإسلامية” بنيجيريا بزعامة الشيخ إبراهيم زكزاكي، المثال لما أقدمت عليه من عنف، منذ تأسست قبل نحو عقدين، وكيف استدرجت بخطابها الفتنوي جماعات إسلامية أخرى إلى صراعات مذهبية وطائفية، وهو ما ينطبق على دول أخرى، حيث باتت تمارس الحركات المدعومة إيرانياً أبشع أنواع الإرهاب وإثارة الفتن.
اليوم، يفرض التصدي للمشروع الإيراني الجديد وقوف الدول العربية إلى جانب المغرب في معركته الفكرية والاقتصادية والسياسية هذه، وهي معركة ليست سهلة؛ لأنَّ الحياد في هذا الشأن يعني نجاح التوسع الفارسي، وزيادة بؤر التوتر في العالمين العربي والإسلامي، وحينها سينطبق على كلِّ تلك الدول المثل العربي: “أُكلت يوم أُكل الثورُ الأبيض”.
السياسة الكويتية