غير مصنف

التسريبات الصوتية عن كيري وظريف ومالها من دلالات

الدكتورة نجاة السعيد

“بينما كنت وزيراً للخارجية أقدم المشورة لدونالد ترامب، كان وزير المناخ في إدارة بايدن ووزير الخارجية السابق جون كيري في عهد الرئيس السابق، باراك أوباما، يقوم بنفس الدور لكنه كان مستشاراً لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف،” هذا ما ذكره مايك بومبيو، في مقابلة مع شان هانيتي على قناة فوكس نيوز يوم الثلاثاء الموافق 27 أبريل، تعليقا علة تسريب إيران لما قاله كيري لظريف. وبدل ما نجد تحقيق وزارة العدل مع كيري بخصوص هذه الفضيحة التي تعد خيانة عظمى نجد محققون فيدراليون يفتشون صباح يوم 28 أبريل منزل ومكتب رودي جولياني، المحامي الشخصي للرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بحجة خرق قوانين الضغط السياسي لصالح مسؤولين ورجال أعمال أوكرانيين ضد جو بايدن عندما كان يستعد لسباق الرئاسة الأميركية.

هذا يرجعنا إلى نقطتين: أولا، إن المصالح الحزبية في أميركا أصبحت أهم من المصالح الوطنية وثانيا، تسريب هذه المقابلة الصوتية لظريف التي أجريت من بضعة أشهر قبل وقت قصير من الانتخابات الرئاسية في البلاد، التي ستكون في 18 يونيو، لها دلالات ليس فقط للإطاحة بظريف بل التحول من الدبلوماسية الناعمة ومعسكر التسويق والعلاقات العامة للنظام إلى معسكر أكثر صلابة وحدة مستغلين وجود إدارة بايدن.

فقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز يوم الأحد الموافق 25 أبريل أن جون كيري أبلغ جواد ظريف أن “إسرائيل هاجمت المصالح الإيرانية في سوريا 200 مرة على الأقل”. لم يوضح ظريف متى شارك كيري المعلومات معه، لكن الذي اتضح أن كيري التقى مراراً مع ظريف أثناء وبعد توليه منصب كبير الدبلوماسيين الأميركيين، ومعنى ذلك أن كيري شارك معلومات استخباراتية أميركية وإسرائيلية حساسة مع خصم كبير. فمهما تمت المحاولات لتغطية هذه التسريبات فهي مثيرة للشك، فقد غرد كيري يوم 26 أبريل ونكر ما جاء بالتسريبات الصوتية لظريف: “يمكنني أن أخبركم أن هذه القصة وهذه المزاعم خاطئة بشكل لا لبس فيه. لم يحدث هذا قط – سواء عندما كنت وزيرا للخارجية أو منذ ذلك الحين”. ولو فرضنا أن وزير الخارجية الإيراني “كاذب” و “مزاعمه خاطئة” على حد قول وزير الخارجية الأميركي السابق، فكيف يمكن قبوله كعضو أساسي في مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني؟

أما من ناحية وزير الخارجية الإيراني تدل التسريبات على أمرين: أولاً، أوضح ظريف أن النزعة العسكرية الخفية وراء المظهر المدني للحكومة ستصبح أقوى بكثير بعد الانتخابات المقبلة، وربما يقودها فوز مرشح تابع للحرس الثوري الإسلامي. ثانياً، كشف عن مدى دور موسكو في سياسة إيران الإقليمية وعلاقتها الوثيقة بقادة الحرس الثوري الإيراني والسياسيين المحافظين، متهماً صراحة فيلق القدس – أقوى فرع في الحرس الثوري الإيراني – بأنه “يتأثر بشدة بروسيا ويتعاون معها”.

كذلك في التسجيل، أوضح ظريف أن روسيا تريد وقف الصفقة النووية، وانتقد العلاقات المنفصلة بين الجنرال في الحرس الثوري الإسلامي، قاسم سليماني، وروسيا.  فقد شرح ظريف بالتفصيل هذه البنية السياسية في المقابلة المسربة، واصفاً كيف أن قاسم سليماني – القائد العسكري الراحل الذي أوصل فيلق القدس إلى مستويات غير مسبوقة من الشهرة والنفوذ قبل مقتله العام الماضي – أنه “ضحى بالدبلوماسية” من أجل ساحة المعركة وليس العكس، في إشارة إلى العمليات العسكرية التي انتشرت في أنحاء المنطقة.

إضافة إلى ذلك، من خلال التسريبات، أكد ظريف أنه “لا توجد سيادة مزدوجة في إيران”، فالنظام يعتمد على السيادة الوحيدة وهو “آية الله” علي خامنئي، وهو ليس فقط المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية ولكن أيضاً القائد العام للقوات المسلحة، بما في ذلك الحرس الثوري الإيراني.

فقد افترض العديد من المراقبين للشأن الإيراني وصناع السياسة الغربيين منذ فترة طويلة أن النظام السياسي في البلاد يقوم على أساس السيادة المزدوجة بين مركزي قوة: أحدهما الإصلاحيين والذي يعتقد أنه يتكون من مؤسسات ديمقراطية مدعومة من الطبقات الوسطى القريبة للغرب، والآخر المحافظين والذي يضم مؤسسات غير ديمقراطية وصناع قرار موجهين من قبل المرشد الأعلى ويكون بمثابة العمود الأيديولوجي الضيق الأفق للنظام المناهض للغرب. وعلى هذا الأساس، سعى المسؤولون الغربيون في كثير من الأحيان إلى فتح قنوات مع معسكر الإصلاحيين من أجل إيجاد مخرج من الأزمات الإقليمية المختلفة، لكن في الواقع معسكر الإصلاحيين ما هو إلا فريق التسويق والعلاقات العامة للتبرير والدفاع عن الخيارات السياسية للحرس الثوري الإيراني والمرشد الأعلى خامنئي في الخارج.

إن ما حدث يجعلنا أمام عدة تساؤلات: إذا تم تسريب معلومات حساسة لأهم حليف لأميركا من مسؤول دبلوماسي أميركي للنظام الخصم والرائد في زعزعة الاستقرار في المنطقة، فكيف يمكن للدول العربية الثقة بإدارة بايدن وألا يتم تسريب معلوماتهم الاستخباراتية بنفس الطريقة؟ أيضاً نجد سياسة أميركا الخارجية تجاه إيران تحولت من الضغوط القصوى التي اتبعت في إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، إلى سياسة الدبلوماسية القصوى التي تمارس الآن في عهد جو بايدن، لكن كيف يمكن تحقيق أي مخرج للأزمات الإقليمية المختلفة من خلال هذه السياسة إذا كان النظام الإيراني سيتجه نحو المعسكر الأكثر صلابة في سياساته، وربما يكون ذلك قريباً خاصة لو فاز مرشح تابع للحرس الثوري الإسلامي في الانتخابات القادمة؟ وغير هذا كله حسب ما جاء في التسجيلات المسربة لظريف أنه لا فرق بين المعسكرين: الإصلاحي والمحافظ، فكيف يمكن ممارسة دبلوماسية مع نظام كل مؤسساته تحت سيطرة المرشد الأعلى المعادي للغرب؟

المصدر: قناة الحرة الامريكية

 

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى