التحالف مع الشياطين في العراق
رشا العزاوي
إن كنتم مضطرين إلى “التحالف مع الشيطان” فساوموه ولا تقبلوا بابتزازه.
لفترة طويلة جدًا ، ركز الجهد الدولي – بما في ذلك الولايات المتحدة- في العراق على “ما لا ينبغي أن يفعله” لإعادة الاستقرار إلى البلد المتشظي سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وأمنيا. أهداف المجتمع الدولي الرئيسية اليوم، عدم السماح لبغداد كمنظومة حاكمة بالانهيار أيا كانت الجهة التي تتحكم بتلك المنظومة، وإن كانت ذات سلطة شكلية، وعدم السماح للحرب بين الفصائل الشيعية المتناحرة بالتصعيد إلى نقطة تجعل من العاصمة أرضا لصراع شوارع مسلح يمتد إلى مختلف محافظات البلاد.
أهداف تعكس ارتباكا عميقا حول كيفية إعادة الاستقرار إلى العراق، وبعد تولي محمد شياع السوداني رئاسة الوزراء – شاركت في اختياره الفصائل المسلحة التي تدرجها الولايات المتحدة ودول في المنطقة على لوائح الإرهاب وأحزاب مقربة من إيران- لا يزال المجتمع الدولي يفتقر إلى رؤية يتعامل فيها مع مستقبل العراق ضمن المعطيات الجديدة.
يعتقد المجتمع الدولي بوضوح أن دعم النظام المهترئ في العراق شر لابد منه. أجرت السفيرة الأميركية في بغداد الينا رومانكسي لقاءات مكوكية بـ”السوداني” ومسؤولين آخرين. في محاولة للتحالف مع الشيطان والتطبيع مع حكومة الفصائل المسلحة لحماية المصالح الغربية بمعزل عن المصلحة العراقية أحيانا أو مصلحة المنطقة، متجاهلة مخاطر تمكين هذه الجماعات من ثروات العراق الكبيرة جدا وتسخيرها لصالح دعم ميليشيات ما يسمى بمحور المقاومة في إيران.
لم يعد خافيا على أحد أن مشاكل العراق تدور جميعها في فلك الجماعات المسلحة، لا يزال العديد من القادة العسكريين داخل العراق يعتقدون أن مواجهة الفصائل المسلحة المرتبطة بشبكة عريضة من السياسيين الفاسدين أكبر من أن تهزم. وتدفع طبقة الفاسدين والميليشيات تلك إلى الواجهة بحكومة ضعيفة يمكنهم التحكم بها، قاد هذا التفكير المجتمع الدولي إلى تحديد أهدافهم المؤقتة فقط في العراق، أي إعلان تشكيل حكومة، ولم يخططوا للعواقب السياسية والأمنية التي قد تنجم عن حكومة تتولى الفصائل المسلحة إدارتها. رغم ذلك يريد المجتمع الدولي لحكومة السوداني في بغداد أن تنجح في كبح جماح هذه الفصائل! وأن تتخذ قرارا داخليا بمحاربتها! غير أن المجتمع الدولي بكل ما يمتلك من قدرات غير مستعد بعد لدفع بغداد نحو هذا التوجه.
وعلى الرغم من مدها يد الصداقة للفصائل الموالية لإيران وأجنحتها السياسية، فإن المصالح الأميركية في العراق وكذلك أمن المنطقة مُهددة أكثر من أي وقت آخر. القبول بالابتزاز الذي تمارسه إيران على المنطقة والمصالح الغربية في العراق عن طريق أذرعها هناك، لا يمنحنا هدنة سلام، بل موارد أكبر للإرهابيين، ويد طولى لإيران في أي محادثات مقبلة تخص أمن المنطقة واستقرارها.
الهجمات التي نفذتها الجماعات المسلحة الموالية لإيران في العراق ضد أربيل والمقار التابعة للتحالف الدولي في العراق ومقار البعثات الدبلوماسية كانت في العاميين الماضيين أكبر من أي وقت آخر، بل إنها طورت مساهمتها في تمويل الإرهاب في دعم صريح لجماعة الحوثي في اليمن، أشرفت عليه ميليشيا كتائب حزب الله وهي عضو في الإطار التنسيقي الذي شكل الحكومة في بغداد. بعد كل ذلك السلوك الهمجي نالت حكومة الفصائل المسلحة دعما أميركيا ودوليا. فلماذا لا تستمر بالابتزاز؟ ولماذا لا يدفع هذا السلوك جماعات سواها لتبني السلوك ذاته ما دامت المكافئة الحصول على السلطة في دول غنية ومؤثرة مثل العراق؟
أعلن فصيل مسلح يطلق على نفسه اسم “سرايا أهل الكهف”، في (الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني 2022)، مسؤوليته عن مقتل مواطن أمريكي وسط بغداد الليلة الماضية. وذكر الفصيل المسلح في منشور صحفي أن عملية قتل المواطن الأمريكي “ستيفن ترول” جاءت “انتقاما لمقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد فيلق القدس، وأبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي”. وقُتل في الخامس من نوفمبر / تشرين الثاني بظروف غامضة عضو في القوات المسلحة الكندية الكابتن إريك تشيونغ.
قالت حكومة السوداني إن جهات تحاول إحراجه أقدمت على الفعلين، وأن حكومته بصدد التحقيق في ذلك. ربما الجهات التي أقدمت على الجريمتين بعد أسابيع من تولي السوداني السلطة، باتت ترى أن ابتزاز المجتمع الدولي يجدي نفعا أكثر في العراق من الالتزام بقوانينه.
على النقيض من هذا السلوك الانهزامي أمام الجماعات المسلحة المالية لإيران في العراق، يمكن بسط مفهوم المساومة وليس الابتزاز. قواعد التعامل مع هذه الجماعات وواجهاتها السياسية بما في ذلك حكومة تتولى السلطة في بغداد، يجب أن يكون على أساس تعديل السلوك للحصول على علاقات جيدة، وليس الحصول على كل شيء مقابل أن تتوقف عن تهديد أمن ومصالح الآخرين!
إن الحديث عن أي تعاون مع حكومة عينتها الفصائل المسلحة يجب أن يكون على أساس إذا كانت الحكومة ستفعل شيئا في حفظ أمن العراق والمنطقة ستحصل على الدعم بالمقابل. يجب أن تعي الفصائل المسلحة أن المجتمع الدولي والمنطقة لن يمنح حكومتها الدعم اللازم فيما فوهات سلاح تلك الجماعات موجهة ضد العراقيين وقواعد صواريخها موجهة ضد آبار النفط، وقواعد التحالف الدولي، وأربيل، تنتظر إشارة من إيران لبدء الهجوم، غير آبهة بالامتيازات المجانية التي حازت عليها بالابتزاز، لأنها واثقة من أنها قادرة على الابتزاز دائما مع غياب أي جهد دولي لردعها.
نقلا عن العربية