الانتخابات الرئاسية في إيران بين التوازنات الداخلية والسياسة الخارجية
هدى رؤوف
في خطابه الأخير قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي ستجرى غداً الجمعة، حضّ المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، مواطنيه على التصويت، معتبراً أن تراجع التصويت يقدم فرصةً لتكثيف الضغوط الخارجية على إيران. وبدأت مرحلة الصمت الانتخابي قبل الاستحقاق الذي سيُخاض بين أربعة مرشحين، أبرزهم إبراهيم رئيسي المحسوب على التيار المتشدد، وعبد الناصر همتي المحسوب على التيار المعتدل.
وقد يحاول كثيرون إبراز أهمية تلك الانتخابات كونها تُجرى في وقت سريان المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن من أجل إحياء الاتفاق النووي، لكن نتصور أن أهم ما يميز هذه الانتخابات هو أنه يُرجّح أن تكون الأدنى مشاركةً من قبل المواطنين، بين الاستحقاقات الانتخابية السابقة جميعها، وكونها تعكس اتجاه توازن القوى الداخلى في إيران مستقبلاً. كما تعكس الانتخابات الرئاسية كيف يُجري النظام الإيراني عملية هندسة لتوازن القوى بين التيارات السياسية الداخلية. في السابق، أشار الرئيس الإيراني الراحل، هاشمي رفسنجاني في مذكراته إلى أنه “يُفضَّل مشاركة أقل لضمان فوز المرشحين المحافظين”، وسابقاً طلب المرشد الأعلى من الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد عدم الترشح، وفي الانتخابات الماضية تم استبعاد رفسنجاني من قبل مجلس صيانة الدستور، حسب شهادة حيدر مصلحي وزير المخابرات الإيراني السابق. وستشكل انتخابات يونيو 2021 دليلاً على كيفية إزاحة الإصلاحيين وإفساح المجال أمام المرشح إبراهيم رئيسي.
والآن وفق ما اعتادت عليه الانتخابات الإيرانية بانسحاب عدد من المرشحين لمصلحة مرشح مستهدَف، فمن بين سبعة مرشحين للرئاسة وافق عليهم مجلس صيانة الدستور، هناك خمسة متشددين أبرزهم إبراهيم رئيسي، المرشح الرئاسي السابق، الرئيس الحالي للسلطة القضائية، إضافة إلى المعتدلَين عبد الناصر همتي ومحسن مهر علي زاده. وانسحب فيما بعد المرشحان محسن علي زاده وعلي رضا زاكاني، لتنحصر المنافسة الأساسية بين رئيسي وهمتي.
وعلى عكس زاده الذي لم ينسحب لمصلحة همتي، ألقى زاكاني دعمه الكامل خلف إبراهيم رئيسي، معتبراً أنه نظراً إلى شعبية رئيس السلطة القضائية، فإنه يعتبره المرشح الأكثر أهليةً لإحداث تغييرات هيكلية. كما أعلن المرشح المتشدد سعيد جليلي انسحابه ودعم رئيسي.
ووقّع 210 برلمانيين على رسالة يطلبون فيها من المرشحين المحافظين المتبقين التنحي لمصلحة رئيسي. وجاء في الرسالة أنه نظراً إلى شعبية رئيسي والحاجة إلى وجود حكومة قوية وموحّدة، حان الوقت لتقديم الدعم للمرشح المحافظ.
وعلى عكس موقف المتشددين، لم يتمكن الإصلاحيون من الاتحاد لدعم مرشح واحد. ونظراً إلى أن الاتجاهات توحي بفوز رئيسي، فقد يكون مناسباً توقع شكل ملامح سياسته الخارجية. ووفقاً للمناظرة الثالثة التي تناولت قضايا السياسة الخارجية، أكد رئيسي التزامه خطة العمل الشاملة المشتركة (الاسم الرسمي للاتفاق النووي) بالصيغة التي وافق عليها المرشد الأعلى كعقد والتزام يجب على الحكومات الالتزام به. تصريح رئيسي هذا يتناقض تماماً مع توجهات المتشددين الرافضة الاتفاق النووي والتفاوض مع الولايات المتحدة. كما تناول رئيسي أهمية التزام إيران باتفاق مجموعة العمل المالي، مبرزاً أهميتها في إقامة علاقات مصرفية دولية. قد يكون الهدف من تصريحات رئيسي توجيه رسائل إلى الغرب مفادها أن حكومته ستظل ملتزمة التزامات إدارة الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني. لكن من جهة أخرى، تؤكد رؤية رئيسي أن قضايا السياسة الخارجية الإيرانية لا تتغير بتغيّر الرئيس بل هي صلاحيات حصرية في يد المرشد.
ومع ذلك، فإن رؤيته تلك ليست مؤشراً لانفراج في علاقات إيران الإقليمية أو تخليها عن رؤيتها القائمة على السعي لزيادة نفوذها، إذ إن رئيساً متشدداً يعني مزيداً من عسكرة السياسة الإيرانية وتعاظم دور “الحرس الثوري”، وتصعيد نبرة الخطاب السياسي الثوري القائم على الأيديولوجية.
اندبندنت عربية