أهم الأخبارمقالات

الاقتصادات الخليجية وتجارب التنويع

 

د. محمد العسومي

استثمرت دول مجلس التعاون الخليجي الارتفاعات الأخيرة في أسعار النفط بصورة مجدية للغاية، فحققت خطوة أخرى مهمة نحو التنوع الاقتصادي وزيادة مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي من خلال انتهاج سياسات اقتصادية مرنة ذات آفاق مستقبلية واعدة، ساعدتها في ذلك البنية التحتية المتطورة التي أقامتها في العقود الماضية.
وفي دولة الإمارات ارتفعت مساهمة القطاعات غير النفطية إلى 74% من إجمالي الناتج المحلي، مرتفعةً من 70% قبل خمسة أعوام، وذلك بفضل النمو الكبير الذي شهدته بعض القطاعات الرئيسة، كالمالي والصناعي والسياحي. وفي المملكة العربية السعودية ارتفعت مساهمة هذه القطاعات بنسبة كبيرة لتصل إلى 53% وفق وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي، وذلك بعد ارتفاع الاستثمارات بنسبة كبيرة بلغت 70%، حيث يعتبر ذلك تقدماً ملحوظاً أسهم في تنمية القطاعات غير النفطية.
أما في البحرين، فقد وصلت مساهمة القطاع غير النفطي إلى 85% من حجم الناتج المحلي الإجمالي، حيث ارتفعت بصورة مؤثرة الاستثمارات الأجنبية في بعض القطاعات، كالقطاع الصناعي والعقارات إلى جانب قطاع النقل. وارتفعت هذه النسبة في الكويت إلى 57%، حيث يتوقع أن تسهم الإجراءات والتوجهات الاقتصادية التي اتخِذت مؤخراً في إحداث نقلة نوعية في هيكلية الاقتصاد الكويتي، خاصة بعد توقيع العديد من الاتفاقيات، ولا سيما الاتفاقية مع الصين حول تطوير وإنجاز المراحل اللاحقة لميناء مبارك في خور عبدالله، حيث تتمتع الكويت بموقع يتيح لها التحول إلى مركز تجاري وصناعي في المنطقة، بحكم قربها من أسواق إقليمية كبيرة.
وفي قطر أسهمت الاستثمارات الهائلة التي ضخت لتنظيم كأس العالم لكرة القدم في إحداث نقلة كبيرة أسهمت في تنمية العديد من القطاعات غير النفطية، كالنقل والسياحة، حيث ارتفعت مساهمة هذه القطاعات إلى 64% من أجمالي الناتج المحلي، بالإضافة إلى تأسيس بنية تحتية يمكن استغلالها لإحداث المزيد من التنوع خلال السنوات القادمة.
واهتمت عُمان أيضاً بتطوير بنية النقل والتجارة من خلال تنمية بعض الموانئ ذات الموقع الاستراتيجي، كما اعتمدت توجهاتٍ لتطوير قطاع الطاقة، كإنتاج الهيدروجين باستثمارات تبلغ عشرة مليارات دولار، وهو ما أدى إلى ارتفاع مساهمة القطاعات غير النفطية إلى 72%.
وأدى ذلك إلى رفع التصنيف الائتماني لبعض دول المجلس وتثبيت تصنيف دول أخرى بنظرة مستقبلية إيجابية من قبل مؤسسات التصنيف العالمية، مما سيؤدي إلى زيادة تدفق الاستثمارات الأجنبية لهذه الدول، حيث حسبت هذه النسب الخاصة بهيكلية الناتج المحلي الإجمالي لدول المجلس للنصف الأول من هذا العام (2024)، علماً بأن نسبة مساهمة القطاعات غير النفطية تتفاوت، إلا أن دول المجلس كافة تسير باتجاه التنوع مدركةً أهميةَ ذلك في ظل التغيرات التي تطال قطاعَ الطاقة والزيادة المتواصلة في مساهمة الطاقة المتجددة في ميزان الطاقة العالمي، حيث لم يَفُت دول المجلس الاهتمام بهذا الجانب أيضاً، فخصصت استثمارات كبيرة ونفذت مشاريع تعد الأهم من نوعها في المنطقة في مجال الطاقة المتجددة، وبالأخص في مجال الطاقة الشمسية.
ومن جانب آخر، فإن هذا التفاوت مسألة طبيعية ونسبية تتعلق بحجم اقتصاد كل دولة وحجم المشاريع المنفَّذة الهادفة إلى التنوع والتي تتفاوت بدورها بين دولة وأخرى، إلا أن دول المجلس مجتمعةً أصبحت تملك تجارب تنموية يمكن لبقية البلدان المنتجة للنفط الاستفادة منها، حيث أسهمت هذه التجارب في ارتفاع مستويات المعيشة وتوفير خدمات راقية في كافة المجالات وبأسعار مناسبة.
ويتوقع، وفق السياسات الاقتصادية المعلنة، أن يتجذر اتجاه التنوع في دول المجلس خلال السنوات القليلة القادمة، مما سيرفع مساهمةَ القطاعات غير النفطية إلى 70-80%، وهي نسبة كبيرة ومقارِبة للنِّسب المشابهة في البلدان المتقدمة المنتجة للنفط، كالنرويج التي تبلغ مساهمة القطاعات غير النفطية فيها 85% وتشكل الصادرات النفطية 50% من إجمالي صادراتها. ومن الأهمية بمكان أن تتبادل دول مجلس التعاون الخليجي في هذا الصدد تجاربَ التنويع الاقتصادي، حيث تملك كل دولة بعض الخصوصيات المميزة، وذلك رغم تقارب هذه التجارب بحكم تشابه اقتصادات دول المجلس.

نقلا عن ” الاتحاد”

 

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى