أهم الأخبارمقالات

الاستعداد لتداعيات الملف النووي الإيراني

 

د. عبدالله جمعة الحاج

مع تواتر مؤشرات الفشل التي تتوالى تباعاً من مباحثات الملف النووي الإيراني بسبب التعنت والشروط التعجيزية التي تصدر عن المفاوض الإيراني، ومع سير إيران قدماً في تطوير قدراتها النووية، خاصة فيما يتعلّق بتخصيب اليورانيوم بمعدلات عالية، فإن إيران ربما ينتهي بها الأمر إلى تلقي المزيد من العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية تهدف إلى دفعها نحو الحد من برنامجها الخاص بإنتاج الوقود النووي.
لكن موضوع العقوبات هذا لم تثبت جدواه حتى الآن، ولا يتوقع له أن يأتي بنتيجة في المستقبل حتى وإن اجتمعت أمم الأرض جميعها في فرضها.
إن ما هو حاصل هو أن إيران ماضية في تنفيذ خططها لحيازة التكنولوجيا النووية وإنتاج الأسلحة النووية. كاتبكم من بين الذين يشكون في أن الجهود الديبلوماسية المبذولة حالياً ستأتي بنتيجة إيجابية، خاصة فيما يتعلق بمصالحنا نحن في دول مجلس التعاون، الأمر الذي يدفعني إلى القول بلزومية وجود سلسلة من الخطط البديلة التي تتساير مع حجم هذه المشكلة المستقبلية الكبرى.
من ضمن الخطط النظر في سلامة تصدير النفط من دول المجلس إلى خارج حوض الخليج العربي عبر أنابيب تتجنّب المرور بمضيق هرمز، الذي تسيطر على جزءه الشمالي إيران ويمكنها إغلاقه في لحظة ما ودون سابق إنذار. هذا المضيق تمر عبره شحنات النفط لدول خليجية تعتمد على ريع النفط مائة في المائة لتمويل ميزانياتها السنوية. إن هذا البديل يشكل جزءاً مهماً من قدرة دول الخليج العربي، ومعها العديد من دول العالم التي تعتمد على نفط الخليج في تجاوز مثل هذه الكارثة لو وقعت في يوم ما، فهيمنة إيرانية مطلقة على هذا الشريان الحيوي، ومع كون أسعار النفط قد وصلت إلى مستويات عالية جداً بسبب الحرب في أوكرانيا، فإن العالم قد يكون مقبلاً على كارثة اقتصادية كبرى وكساد اقتصادي واسع النطاق.
الخطة الأخرى، ربما تكون تقبل دول الخليج العربي لفكرة أنه من المحتمل أن تصبح إيران دولة نووية في القريب العاجل، حيث باتت على مسافة قريبة جداً من تفجير قنبلتها النووية الأولى، وما أعتقده أن هذه باتت مسلمة حتمية تتطلب من دول الخليج العربي الاستعداد لها وللأيام التي تليها ولكيفية التعامل مع إيران النووية، فإذا لم تكن هذه الدول مستعدة لمثل هذا التعامل، فإنها لن تكون قادرة فعل شيء مؤثر تجاه إيران، خاصة على المدى القصير.
وإلى هذه اللحظة دول الخليج العربي تنظر بترقب شديد تجاه ما يجري في إيران من زاوية تطوير قدراتها النووية وإلى ما يجري من حديث على طاولة المفاوضات في جنيف وما يخرج عنها من نتائج. والحقيقة أن ما يخرج في العلن ويصل إلى مسامع العالم، أن الحديث يدور بين إيران وجميع الأطراف الأخرى الضالعة في المناقشات والمفاوضات، لكن خلف الكواليس يبدو بأن إيران لا تهمها الأطراف الأخرى كثيراً، فمسامعها وأبصارها منصبة على ما يقوله ويصدره وفد الولايات المتحدة الأميركية وحدها، وفقط لا غير، فبالنسبة لإيران مربط الفرس، يكمن في واشنطن وليس في غيرها من عواصم الغرب، بما في ذلك موسكو في هذه المرحلة.
وعلى أية حال دول الخليج العربي الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي تفصح دائماً عن رغباتها المؤكدة في وجود علاقات ديبلوماسية واقتصادية وتجارية طيبة مع إيران، وهي لم تستعدها في يوم من الأيام. لذلك، فإنه من زاوية الملف النووي الإيراني دول الخليج العربي مؤيدة لإيجاد حل ديبلوماسي له، ومتحفظة جداً حيال اتخاذ أية خطوات تصعيدية ضد إيران، وذلك من منطلق أن إيران جار أزلي بحكم الجغرافيا، فإذا عطس سنصاب نحن بالزكام، لذلك، فإن الانفتاح على إيران والتعامل الذكي معها أمر مهم.
وربما أن الكثيرين منا يجهل العقلية الإيرانية تجاه مفاهيم القوّة، وامتلاك القدرات العسكرية، فبرغم من وجود تيّار عقلاني رشيد ينادي بعدم امتلاك السلاح النووي، إلا أنه يوجد ضغط شعبي هائل يسير في عكس هذا الاتجاه.

نقلا عن الاتحاد

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى