الاتفاق النووي بين انقسامين
مصطفى فحص
يعاني الاتفاق النووي الإيراني من انقسامين؛ الأول أميركي، والثاني إيراني، لا تبدو طريقهما سالكة نحو المفاوضات، بعد انقسام كل طرف على نفسه. ففي واشنطن يواجه فريق الرئيس بايدن الإيراني أزمة تعوق حصوله على تغطية كاملة من إدارة البيت الأبيض، فيما يواجه الأخير عوائق عدة وضعتها أمامه مؤسسات الدولة الأميركية؛ في مقدمتها الكونغرس، حيث يمسك الحزب الديمقراطي بأغلبية هشة غير مضمونة، كما أن وزارتي الدفاع والخارجية تميلان إلى التصلب في مواجهة طهران، خصوصاً بعد هجوم مطار أربيل ومعاودة استهداف السفارة الأميركية في بغداد.
فعلياً نجحت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في تحويل إيران إلى قضية أميركية داخلية، تفرض على الديمقراطيين مراعاة الحساسيات الأميركية الداخلية والمصالح الخارجية، فالتقدير الخاطئ مع طهران سيغذي الانقسام العمودي بين النخب السياسية وستستثمره القوى الراديكالية الجديدة المؤيدة لترمب في التصويب على إدارة بايدن؛ الأمر الذي يعزز الانقسام داخل مؤسسات صنع القرار ويؤدي إلى مزيد من الشرخ، وهذا ما يؤرق جو بايدن الذي يحتاج إلى دعم الحزبين في مواجهته المفتوحة مع الصين وروسيا ومن يدور في فلكهما. فالإدارة الجديدة التي تعمل على ردم الهوة بينها وبين حلفائها التقليديين في أوروبا وآسيا، وتريد إعادة دور الولايات المتحدة في قيادة العالم، لا يمكن أن تتنازل في ملف له انعكاسات على هيبتها وهيمنتها.
فمما لا شك فيه أن الانقسام الأميركي سيخفف من اندفاعة فريق بايدن الإيراني نحو إجراء المفاوضات مع طهران وسيؤثر في مضمونها، وسيضع حداً لرغبة بعضهم في إنجاز اتفاق يراعي إلى حد ما تطلعات طهران النووية والصاروخية والإقليمية، فهذه الإدارة في سنتها الأولى لا يمكن أن ترضخ للشروط الإيرانية أو تقدم لطهران انتصاراً، ولو معنوياً، يمكن أن يستفيد منه الحزب الجمهوري في الانتخابات النصفية بعد سنتين وحتى في المنافسة الرئاسية سنة 2024.
أما في طهران؛ فقد وصل الانقسام حول الملف النووي والمفاوضات مع واشنطن إلى ذروته؛ إذ اتُّهم الرئيس حسن روحاني وفريقه التفاوضي بالخيانة، فبعد أقل من يومين على الاتفاق بين الحكومة الإيرانية والوكالة الدولية للطاقة الذرية حول تمديد العمل بـ«البروتوكول الإضافي» لثلاثة أشهر، أعلن مجلس الشورى رفضه الاتفاق، وطالب 221 نائباً محافظاً بنقل الملف إلى القضاء بهدف محاسبة الحكومة، مما دفع بالمرشد علي خامنئي إلى التدخل مباشرة من أجل حماية قرار الحكومة، واحتواء الأزمة، وطالب الحكومة والبرلمان بحل النزاع بينهما حتى لا يظهر أن في البلاد انقساماً في الآراء، لكن روحاني؛ الذي حصل على دعم المرشد، لم يتردد في الهجوم على البرلمان، وقال أثناء اجتماع حكومته إن «محاولات النيل من الاتفاق المؤقت بين الحكومة والوكالة الدولية لعبٌ في ملعب الأعداء، ومن الواضح أنها تحقق أهداف الآخرين».
الخلاف حول المفاوضات لم يعد سياسياً فقط، فما جرى في أربيل وبغداد من المرجح أن يكون قراراً اتخذته جهات أمنية أو عسكرية تعمل بمفردها أو بعيداً عن أعين السياسيين في التيارين، وهي لا تلتزم بقواعد العمل الدبلوماسي وليست معنية ببنود الاتفاق الذي جرى، وترى أن أسلوبها الخشن قد يرغم واشنطن على تقديم التنازلات، وهي مصرة على اختبار مدى رد الفعل منها الذي يبدو حتى هذه اللحظة مشجعاً لهذه القوى على الاستمرار في عملية الاستفزاز. وليس من الضروري أن تكون هذه الجهات الأمنية أو العسكرية قد نسقت مع أطراف أمنية أو عسكرية أخرى معنية بالقرار التفاوضي أو بالقرار العراقي، فمنذ مقتل قاسم سليماني ظهرت إلى العلن التباينات داخل «الحرس» وما بين أجهزة الدولة الأمنية والدبلوماسية، حول كيفية معالجة هذه الأزمة وما يرتبط بها، رغم أن القرار النهائي يعود إلى المرشد.
وعليه؛ فإن ما يدور في الأروقة الإيرانية الداخلية من نزاعات بين مراكز القوى يعزز الاعتقاد بأن حجم المنافسة بين هذه الأطراف لم يعد ممكناً إخفاؤه، فالانقسامات لم تعد محصورة بين تيارين (محافظ، وإصلاحي أو معتدل)؛ بل إن طموحات مراكز القوى داخل التيار المحافظ في الهيمنة على القرار الإيراني، أظهرت الانقسام داخله، حيث تتجه أنظار الجميع نحو انتخابات الرئاسة المقبلة.
نقلا عن الشرق الأوسط