استراتيجية إيران العسكرية: تطوير المسيرات ونقلها لوكلائها
هدى رؤوف
كان لتقادم الأسلحة التقليدية لدى إيران منذ تأسيس النظام الإسلامي عام 1979 والدخول في حرب الخليج الأولى أو ما يعرف بحرب السنوات الثمان مع العراق، فضلاً عن اعتماد إيران المخزون الجوي القتالي الذي حصل عليه الشاه من الولايات المتحدة في الستينيات والسبعينيات، جنباً إلى جنب مع عدد صغير من الطائرات السوفياتية، كل تلك العوامل أدت إلى دمار نسبة كبيرة من القدرات العسكرية التقليدية لإيرن، إبان حرب الخليج الأولى. ولم تتمكن إيران من تحديث تلك القدرات نتيجة ما فرض عليها من عقوبات وحظر إذا ما عمدت إلى تطوير القدرات العسكرية غير التقليدية. إزاء هذا، عملت إيران لتطوير الطائرات من دون طيار أو ما يسمى الدرونز UNmanned Ariel vehicle. ومن ثم تولى الحرس الثوري تقنية الحرب غير المتكافئة أو اللامتماثلة، القائمة على حرب العصابات وتعبئة القوات الشعبية إيديولوجياً، واستخدام المعدات العسكرية المصنعة محلياً، وبقيت أولويات تحديث إيران قواتها الصاروخية الباليستية والبحرية والجوية، مع التأكيد على الحاجة إلى قدرات جوية قتالية أكثر قوة.
وقد أدى نقل إيران هذه الطائرات المسيرة وتصميماتها إلى حلفائها في المنطقة إلى ظهور نوع جديد من التهديد في الشرق الأوسط مرتبط بانتشار الطائرات المسيرة، سواء للاستطلاع والمراقبة والاستخبارات أو للهجوم. وقد هدفت إيران إلى أن تصبح مورداً للطائرات من دون طيار سواء للأنظمة والحكومات على غرار دعم رئيس النظام السوري وروسيا خلال حرب أوكرانيا، أو تقديمها للفاعلين من دون الدول مثل ميليشيات “حزب الله” والحوثيين و”حماس” و”الحشد الشعبي” في العراق.
أي أنه في مواجهة سنوات من العقوبات وتقادم قدراتها الجوية التقليدية، طورت إيران وصنعت الطائرات من دون طيار الخاصة بها التي يتم نشرها في سوريا والعراق، وتعتبرها أداة للتعويض عن ضعف القوة الجوية التقليدية وتعزيز قدراتها العسكرية.
فعمل الحرس الثوري على توفير هذه الأنظمة، إلى جانب مهارات التصميم والتصنيع، لوكلائه الإقليميين كي يتولون القيام بتهديدات لمصالح الدول المنافسة لإيران ومن ثم تستطيع إيران تحقيق أهدافها من دون التورط بشكل مباشر في هجمات الحوثيين في اليمن ضد أهداف في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وقدمت إيران طائرات من دون طيار لميليشيات عراقية استخدمتها في هجمات على القوات الأميركية وقوات التحالف، ونقلت تصاميم الطائرات المسيرة إلى “حماس” في غزة.
جميعهم يستخدمون الطائرات من دون طيار أو الذخائر الهجومية المباشرة (المعروفة باسم الطائرات من دون طيار الانتحارية أو الكاميكازي) التي لها بصمة إيرانية.
لقد ساعد تصدير الطائرات من دون طيار في بناء علاقات مع الجماعات المسلحة في المنطقة، وذلك كي تتمكن طهران من التأثير في سلوكها، وبما يمكنها من التسبب في إضرار منافسيها الإقليميين. فقد سبق أن أعلن الحوثيون مرات عدة مسؤوليتهم عن مجموعة من الهجمات باستخدام الطائرات من دون طيار والأنظمة الباليستية وصواريخ كروز، وكثير من هذه الأنظمة تأتي من إيران.
ومن ثم يمكن القول إن الطائرات المسيرة تتناسب مع الاستراتيجية العسكرية الأوسع لإيران في الشرق الأوسط، حيث إنها تهدف جزئياً إلى تعويض نقاط الضعف والقيود الأخرى في الجيش الإيراني. وصحيح أنها ليست بديلاً من الطائرات العسكرية الأخرى، لكنها تمنح إيران بعض القدرة لتهديد الآخرين في الإقليم.
اندبندنت عربية