مقالات
إيران.. وزمن هبوب العاصفة
إميل أمين
هل حان أوان هبوب العاصفة على إيران من جراء تلاعبها بالمجتمع الدولي بشكل عام وبالولايات المتحدة الأميركية بصورة خاصة؟
تبدو جولات فيينا قد أخفقت بالفعل، وما يقوم به فريق التفاوض الإيراني ليس سوى حيلة لتسويف الوقت في محاولة لكسب أكبر قدر منه، وذلك لصالح المضي قدما في طريق حيازة السلاح النووي الإيراني، ذاك الذي يبدل الأوضاع ويغير الطباع في المنطقة برمتها.
طويلا جدا خدعت إيران العالم بحديثها عن البرنامج النووي السلمي، غير أن الحقيقة التي يعلمها القاصي والداني، هي أن إيران لديها هدف واحد تسعى لبلوغه بكل السبل، العتبة النووية، والتي من بعدها سوف يتغير موقف العالم التفاوضي منها.
في نهاية شهر نوفمبر تشرين الثاني المنصرم، كان الرئيس الأسبق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، فريدون عباسي، يعترف بأن البرنامج النووي لبلاده يتجه نحو صنع القنبلة الذرية، بحسب ما أوردته صحيفة التايمز البريطانية، وذلك رغم سنوات من الإنكار على المستوى الرسمي.
لم يكن عباسي هو الوحيد الذي يشير إلى ذلك، إذ إن كل الشواهد تدلل على ذلك لا سيما التصريحات التي ارتبطت بالوكالة الدولية للطاقة الذرية عن مستوى التخصيب الذي بلغته إيران لعنصر اليورانيوم والذي تجاوز 20%، ناهيك عن بعض الاعترافات الإيرانية الداخلية الخاصة بحيازة نحو 25 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% ما يعني أن الحلم النووي الإيراني بات قاب قوسين أو أدنى من تحققه.
خلال الجولة الأخيرة من المفاوضات الهيولية في فيينا، تبدى جيدا لكافة الأطراف أن الإيرانيين لا نية حقيقية لديهم لوقف غيهم السادر، بل الصعود إلى الهاوية مرة واحدة، فلا جديد قدموا من وعود، ولا قديم حافظوا عليه، بل أضافوا إلى طلباتهم طلبات، ما يفيد بنية إدخال المفاوضين والمفاوضات في دائرة لا تتوقف من العبث المفرغ من أي معنى أو مبنى.
التساؤل الجوهري في هذا المقام: هل كان للعالم أن يقف متفرجا طويلا حتى يدرك الملالي غرضهم الأعلى؟
الشاهد أن المواقف الأوروبية خاصة الألمانية والبريطانية والفرنسية، جاءت لتعبر عن الرفض الواضح للحيل والألاعيب الإيرانية غير الخافية على أحد، كما أن الموقف الروسي عينه كان قريبا هذه المرة من الدوائر الغربية، وليس سرا القول إن موسكو ليس من صالحها أن تنشأ قوة نووية أصولية بالجنوب الشرقي منها، والروس رغم تعاونهم مع الإيرانيين إلا أن هناك عتبة ما لا يودون أن تتجاوزها طهران، وبالقياس فإن بكين بدورها لا تأمل في المشاغبات الإيرانية في المستقبل القريب أو البعيد.
الجانب الأميركي كان أكثر وضوحا، وقد بان ذلك جليا من خلال العديد من التصريحات التي لم توار أو تدار هذه المرة، وربما في المقدمة منها تصريحات وزير الخارجية أنتوني بلينكن عن الخيارات الأخرى التي باتت موضوعة على الطاولة الأميركية للتعاطي مع الإيرانيين حال الوصول إلى طريق مغلق وهو الاحتمال الأكبر.
ماذا عن الفرضيات الأميركية المتاحة على طاولة الخيارات تجاه إيران؟
حكما البداية ستكون من خلال تطبيق أقصى بل أقسى قدر من العقوبات الاقتصادية، ما يعيد الحصار الترامبي الشامل على إيران إن جاز التعبير، مرورا بعودة ما يعرف بالـ “سناب باك” أي نظام العقوبات الذي وضع في قلب اتفاقية أوباما مع الإيرانيين، وصولا إلى تطبيق الأمم المتحدة نفسها عقوبات قاسية على النظام الإيراني، عقوبات تطال كافة مناحي الحياة.
غير أنه من الواضح جدا أن الإيرانيين قد رتبوا أوضاعهم على مقابلة مثل تلك العقوبات المؤلمة منذ زمان وزمانين، وهذا دليل مؤكد على نواياهم الحقيقية، فقد أعدوا العدة لمواجهة الضغوطات والعقوبات، بل أكثر من ذلك فإنه ضمن مخططاتهم التلاعب بالقوى الدولية على خارطة الشطرنج الإدراكية، كما الحال مع موسكو وبكين، ومغازلة الواحدة للتأثير على الأخرى، ولتحقيق أكبر قدر من المكاسب.
لم يتبق إذن على الطاولة سوى الخيار العسكري والسؤال هنا: هل الأمر قدر مقدور في زمن منظور؟
يبدو أن ذلك كذلك بالفعل، فما من بديل آخر لتعطيل البرنامج النووي الإيراني سوى الضربة العسكرية، وإن كان من الواضح أنها ستعطل العمل، لا أن تسلب الإيرانيين الخبرة النووية التي باتت في حوزتهم، وهذا هو الأمر الأخطر والأهم، وبما بات يعادل الوضع في ألمانيا واليابان اللتين لا تمتلكان قنابل نووية، غير أنهما قادرتان على صنعها في غضون ستة أشهر على أقصى تقدير.
أدرك الإيرانيون منذ وقت بعيد أنهم عند لحظة زمنية بعينها سوف يصبحون عرضة لمثل تلك الضربة، ولهذا دبروا أحوالهم تحسبا لتلك الضربة، ومن هنا فإن كل منشأة نووية معلنة، هناك رديف سري لها في منطقة أخرى في الداخل الإيراني، واحدة معروفة للوكالة الدولية للطاقة الذرية والأخرى سرية، وهذا ما يتكشف يوما تلو الآخر وما من أحد يبالي عند جماعة خامنئي.
هل هبوب العاصفة بات قريب جداً؟
من شجرة التين يتعلم الإنسان المثل، فمتى لانت أغصانها واخضرت أوراقها، يعلم المرء أن الصيف قريب وعلى الأبواب، وهذا ما يدور في واشنطن مؤخرا، حيث جنرالات البنتاغون في تواصل مستمر مع جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأميركي، والذين أمدوه بخطط مواجهة منشآت البرنامج النووي الإيراني.
الأمر الثاني هو تلك الحملة الإسرائيلية المكثفة في الداخل الأميركي، فوقت كتابة هذه السطور، نجد وزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس، ورئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي دافيد برنيع، في واشنطن، يحملان في غالب الأمر معلومات استخبارية جديدة لا تملكها واشنطن، يمكن أن تدفع في طريق المواجهة العسكرية.
علامة الاستفهام الأخيرة قبل الانصراف: هل يمكن أن ترتدع إيران أم تمضي حسب الخيار شمشون؟
غالب الأمر أنه حال التعرض لضربة عسكرية غربية، ستصاب الجمهورية الإيرانية بشلل كبير يدفع الجماهير للسعي نحو إسقاط الثورة
وهذا أكبر ما تخشاه إيران الحكومية.. هل سنرى تراجعا إيرانيا عما قريب أم ستمضي إيران إلى نسيان مبدأ ميزان الانتباه العسكري؟
كافة الاحتمالات واردة والسيناريوهات مفتوحة.
نقلا عن العربية